إدارة المؤسسات بصورة عامة علم وفن رفيع يحتاج لإداريين يقودون منظومة هيكلية بحيث تصبح ذات اثر إيجابي في الحياة العامة، وتسهم في التطورين الاجتماعي والتنموي، وذلك أمر عام، لكن حسن الإدارة في مؤسسات وأجهزة بعينها يكتسب حساسية من واقع مخرجاتها وأهميتها في غيرها من النواحي، ومن ذلك قطاعات مثل الصحة والتعليم، فالتعليم تحديدا يكتسب أهمية إدارية مضاعفة لأنه الركيزة والأساس الذي يقود الى كل المجالات الأخرى بحسب القدرات والمواهب.
منظومة التعليم تحتاج دوما لقيادات إدارية تتمتع بمزايا أكثر حيوية من غيرها، لأنها معنية بصناعة الأجيال واستيعاب طموحاتهم وطموحات أهاليهم، ولا يمكن أن تكون إدارة العملية التعليمية، في شقيها العام والعالي، في مسار موضوعي بحت، وإنما على المديرين أن يكونوا أكثر إدراكا للجوانب الإنسانية والمجتمعية والفردية للطلاب وأولياء أمورهم، وأن تكون هناك مساحات كبيرة من التقديرات الذاتية للتطلعات، وذلك يحدث في دول تقدمت لا توجد فيها - على سبيل المثال - اختبارات حتى لا تؤثر نتائجها على نفسية الطلاب وتحرمهم من مواصلة طموحاتهم، وتكون للرغبات أهمية قصوى في توجيه الطلاب بأكثر من حصيلتهم العلمية.
في جامعة حكومية شاء الله أن أقف على أحد أكثر المواقف السلبية التي يمكن أن يمر بها شخص يتطلع من مدير جامعة أن يقدم نفسه بصورة مثالية ونموذجية في خطابه مع الطلاب وأولياء أمورهم، فهو لا يجيد الاستقبال وإطلاق حتى بسمة رفيعة تعبر عن البشاشة، ورغبة كل هؤلاء في الالتحاق بهذا الصرح العلمي، وأظهر تعاليا وفوقية مؤلمين حتى أن أحد الموظفين الإداريين خرج من موقع لقاء المدير بالأهالي، لأن الموقف برمته أصبح محرجا ومبالغا في الاستفزاز.
لم يجد المديرحرجا في رفض نقل طالبة متفوقة بكلية الطب قادمة من الرياض ومعها ما يثبت تفوقها لتكون ضمن الاضافات التي ترقى لمعايير الجامعة، ولم يترك أي مساحة للمحاولة في إجراءات النقل، لأنه كان مشغولا برمي حمم من التعالي على الذين يقفون ببابه، رغم أنه موظف عام ويفترض أنه يقوم بواجباته بعيدا من التماس من أن يكون مديرا في أي شيء آخر لا علاقة له بالعمليتين التعليمية والعلمية، ولنتصور كم الاحباط الذي أصاب كل من طرق بابه مؤملا إنجاز معاملة، فالجميع رجعوا بخفي حنين وفي داخلهم قدر كبير من الأسف والحسرة على أن يكون الأمر بيد مثل هذا المسؤول.
جامعات المناطق ينبغي أن تخطط لاستيعاب أبناء المناطق، وأن تتسع لكل الطموحات ولا تهدر حقا علميا لمتفوق أو غيره، وإنما تأخذ بيد الجميع نحو التفوق. القضية ليست عدم قبول فقط، بل تحطيم نفسي ومعنوي، الواقع أن المستقبل يبدأ من الجامعة أعرف الكثير من الذين عانوا حتى استطاعوا تحقيق أحلامهم، وهناك أيضا من لم يستطع تحقيق حلمه، حينما يتقدم أي طالب ليلتحق بأي جامعة هو في الواقع يتقدم إلى عالم المجهول يحتاج إلى تشجيع وتحفيز، لكن - مع الأسف - هناك قيادات تضع حجابا حاجزا بينها وبين الجميع. والسؤال: هل لدى هذا المدير قناعة بأنه باق الى ما شاء الله في المنصب؟ بالتأكيد سيغادره عاجلا أو آجلا، لكن قبل ذلك يخلف أسوأ ذكرى وأداء علميا، فيا هؤلاء رحمة بنا، لسنا موضوعا لتعاليات فارغة وقسوة في الخطاب، وإنما أنتم في خدمة المواطنين، وهم ليسوا محلا للترفع والتجبر عليهم.