في عام 1970م كان هناك فتى يملك مهارة غير عادية في كرة القدم، فقرر التليفزيون الأرجنتيني مقابلته ليتعرف على قدرات ومهارات هذا الفتى، اتضح لهم أن عمر هذا الصبي لا يتجاوز 9 سنوات، سألوه عن أحلامه وأمانيه في لعبة كرة القدم فأجاب بصوتٍ واضح وبكلِ ثقة ومن غير ترد: أحلم بثلاث:
أريد أن أكون لاعبا مع منتخب الأرجنتين، وأريد أن أصل معهم إلى كأس العالم وأرفع الكأس، وأريد أن أكون أفضل وأحسن لاعب في المنتخب الأرجنتيني.
مضت الأيام والأعوام، واستطاع هذا الطفل بعد مضي 16 عاما أن يحقق حلمه، فاز منتخب الأرجنتين بكأس العالم عام 1986م بقيادة أفضل لاعب في العالم، هذا الطفل لم يكن إلا العملاق «دييغو مارادونا» !!
يبقى أن نعرف شيئا مهما، ما الفارق بين الشخص العصامي الناجح والآخر الفاشل؟ بين من يحقق حلمه ومن يضيعه؟ بين من يمسح عرق جبينه من تعب البناء ومن يمسح دموعه بكاء على الأطلال، الفارق بين هؤلاء وأولئك هو «التطبيق»، نعم إنه التطبيق، هذه الشعرة الفاصلة بين النجاح والفشل، دعونا نستعرض معا نموذجين من نماذج الحياة:
«س» يركز باهتمام على أهدافه الدنيوية والآخروية، يخطط لها بدقة وينجزها بعناية، لأنه عرف ماذا يريد وكيف يحقق أمنياته، لاحظ كيف تسير حياة هذا الناجح؟
«ص» لا يُحسن التخطيط، تاركا تدبير حياته للظروف، وتاركا قاربه لتقلبات الأمواج توجهه يمنة ويسرة كيفما تشاء دون أن يملك لها إرادة وحرية في الاختيار والتدبير، لاشك أن «التطبيق» هو حليف «س» لأنه من البداية رسم خطواته حتى وصل إلى القمة، لأنه فهم أن أهم قاعدة من قواعد النجاح: «الإنجاز والتطبيق».
أما «ص» فهو يستهوي التلذذ بإلقاء اللوم على الآخرين، إنه - في نظر نفسه - ضحية سطوة أب أو جهل أم أو ظلم القوانين أو جبروت مدير أو حرفية نظام أو.. أو.. وهذه جميعها تسمى قائمة (الإسقاطات).
«ص» يرتاح كثيرا لموت ضميره ولنومه العميق في بحر عسل الخمول وقلة الحيلة متناسيا أن قانون الحياة يدور حول حقيقة واحدة في التغيير: «ابدأ بنفسك» قالها النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام وأكدها المولى عز وجل: (إِن الله لا يُغيرُ ما بِقومٍ حتى يُغيِروُا ما بِأنفُسِهِم). «ص» يفكر كثيرا فيمن كانوا سببا في إعاقته المعنوية، فجعلهم يعيشون في دائرته زمنا طويلا حتى تأثر بهم سلبا إلى درجة أنه جعلهم «يشدون وثاقه» بإحكام.
«آيزنهاور» له حكمة جميلة جدا تستحق أن تُكتب بماء الذهب ونزينها بإطار جذاب، ثم نضعها نصب أعيننا في منازلنا ومكاتبنا وحتى سياراتنا يقول فيها: لا تضيِع لحظة واحدة في التفكير في أولئك الذين تبغضهم !!
ولو عدنا إلى طفولة «مارادونا» وفكرنا قليلا في مستقبل أطفالنا لوجدنا أنه من حقهم علينا أن نجلس معهم ونسأل كل واحد منهم: ما أمنياتك للغد؟ وما طموحاتك؟ وماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟؟ السؤال الأخير استُهلك على مر الأزمان والدهور، الكبار دائما يسألون الصغير: ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ ويكتفون بمعرفة الأمنية فقط (أصبح طبيبا، مهندسا، لاعب كرة، ضابطا، مليونيرا، تاجرا...) فنضحك معه قليلا ونردف قائلين: ما شاء الله، نفرح بهذه الأماني ثم ماذا بعد؟ نغلق الستارعلى مسرح الأمنيات ونضعها في صندوق النسيان، ونصفق للطفل البطل وسرعان ما ننتقل إلى موضوع آخر هو شغلنا الشاغل بين معيشتنا وهمومنا!!
ترى ماذا لو نظر الكبار لأمنيات (مارادونا) على أنها «أحلام طفل» سرعان ما ستُنسى، أو أنهم ضحكوا على هذا السقف العالي لأمنياته، أو أنهم نهروه وزجروه وقالوا له: كفاك هراء، كن طبيبا أو مهندسا أو رجلا له شأن! تُرى لو قيل له هذا هل كان سيمسك كأس العالم عام 1986م؟!
ما رأيكم أيها الآباء والأمهات وحتى المعلمين والمعلمات لو قرأنا اليوم أفكار أبنائنا وطلابنا وطالباتنا، ثم اخترنا بعدها لقبا جميلا يتناسب والحلم المقبل لجيل المستقبل وصرنا بين فترةٍ وأخرى نناديهم بها في محطات نجاحاتهم منذ الصغر حتى يصدقوا أمنياتهم فيصلوا بها إلى التطبيق. سألوا أحد الرسامين المشهورين: ما سر نجاح لوحاتك؟ قال: عندما كنت صغيرا كانت أمي تردد على مسامعي أن شخبطاتي في دفتر الرسم إحدى روائع الفن التشكيلي حتى صدقتُها!!
وقفة تأمل:
علينا أن نبحث عن شيء يتميز به أطفالنا من مواهب ومهارات وقدرات فنقوم بتنميتها وإثرائها بما يتناسب مع قوانين الحياة المقبلة، وألا نكتفي فقط بالتركيز على التفوق الأكاديمي، فالحياة ليست دائما (1+ 1 = 2) !!.