.. سؤال لابد أن نواجهه كأمة ونجيب عنه بصراحة وشفافية أمام ضمائرنا بعد استخارة الله وهو:
«ما الذي نريد، وما الذي نحتاج ؟».
في الإجابة الصريحة عن هذا السؤال ستتعدل كل الخطط إن أحسنا الإجابة، وسنضع قاطرة المستقبل التي تجر باقي عربات الأمة على القضبان الصحيحة في السكة الصحيحة لتحقيق ما نصبو إليه لمستقبلٍ ضارٍ لا يرحم في التنافس حتى الأضراس على مقدرات هذا الكوكب. وستدوس عربات قاطرات الدول التي تعرف الإجابات الصحيحة للأسئلة الصحية كل وسائل الحياة للدول الضعيفة التي لا تملك الإجابة عن سؤال مستقبل مصيرها، بل ربما لم تطرح أصلا السؤال الصحيح!
بهذه الأمة، بهذه المملكة التي نريدها كلنا سعيدة متقدمة، كل ما نرجو الله أن تتحقق خططها الاستراتيجية الكبرى، تحت ظل هذا السؤال: ماذا نريد، وماذا نحتاج؟
بالمنطق الطبيعي للأمور وبالبداهة الأولى أن السؤال الصحيح هو: «ما الذي نحتاج؟»، وليس «ما الذي نريد؟»، فالذي نريد يأتي دوما لاحقا بعد أن أن نجيب بشكل صريح وصحيح عن السؤال الأول، فأنا أحتاج الهواء ليدور بدمائي ويمدني بطاقة الحياة، ثم لما أملك طاقة الحياة، أعبر لإجابة السؤال الآخر «ماذا أريد؟». ونحن نحتاج للصحة قبل الأدوية، إذا تأتي التوعية الصحية والوقاية كحاجة قبل الأدوية، فالصحة «حاجة» لا نستغني عنها، ثم «نريد» الأدوية لأننا نريد استرجاع صحتنا التي «نحتاج» إليها لو اعتلت، أو عطبت.
هذا كلام مفهوم. غير المفهوم هو لماذا لا نقدم ما نحتاجه؟ أو نعطله فتتعطل عرباتنا؛ وقبل ذلك تكون قاطرة الجر ضربها الشلل.
برأيي الذي «نريده» بهذه الأمة هو تحقيق الخطط الكبرى 2020 و2030، تمام، وما «نحتاجه» هو القاطرة الصحيحة القوية القادرة على جر عربات الأمة لتلك السنتين المستقبليتين خصوصا أن الأولى أقرب إلينا من حبل الوريد.
إذاً ما الذي نحتاج إليه؟ نحتاج الانتقال من عصر المورد البشري للرأسمال البشري. نحن لدينا الآن الرأسمال البشري، لدينا العقول والسواعد والطاقات والحماسة وحب الوطن في شبابنا، وهم لا يقلون عن مستويات أي شبيبة بالعالم إن لم يتفوقوا.. وهذا حصل، وسيحصل.
لكن.. لما أقرأ تقريرا بجريدة كالشرق تقول: إن شابا يحمل شهادة دكتوراة وشهادتَي ماجستير من مخرجات الخطة الابتعاثية الكبرى لمشروع الملك عبدالله يرحمه الله، فهذا معناه أننا نجحنا في صنع رأسمال عالي الجودة، وإن لم ننجح في توظيف هذا الرأسمال فهنا الخسارة التي لا تعوض. بعد أن أنفقنا كحكومة ما يقارب مليون ريال على ذلك الشاب لم يجد وظيفة بأي جامعة سعودية، ثم يعود لأمريكا وترحب به إحدى جامعاتها أستاذا مساعدا بها، وهنا لم نتبرع لتلك الجامعة بمليون ريال، بل أعطيناها ثورة لا تنضب؛ عقل ذلك الشاب السعودي الفذ.
لما تكون خِيرة المنتجات والذين صرفت عليهم البلاد دم قلبها وهم الطبيبات والأطباء لا يجدون عملا، ولكن يعملون لأربع سنوات هي مدة التخصص الأعلى بالمستشفيات كمقيمين بلا راتب، وليس بلا راتب، بل يدفعون رسوما باهظة سنوية لهيئة التخصصات الطبية.. فهنا عطلنا العقول التي «نحتاجها» ربما بسبب أمر أقل.. فقط لأننا «نريد» ذلك السبب ولا نحتاجه.
مديرو جامعات البلاد يحبون وطنهم وأبناء وطنهم؟ فما السبب؟ وزير الصحة ونائبه ووكلاؤه ومديرو المستشفيات يريدون الأفضل، فهل يتوقعون من طبيب مقيم لا يقيم أوَده، ولا يملك شراء حفاظة لولده كما بكى أحدهم ويمضي أكثر من عشر ساعات لخدمة المرضى، أن يخدمهم بكفاءة وجودة؟ لا طبعا.. ولا في مدينة الأحلام الفاضلة!.