العلاقات، والأوقات، والقرابات، والصداقات، أربعة أمور.. التعامل معها بتوازن واعتدال هو المطلب الأسنى، والهدف الأجمل، كانت علاقات الناس في الماضي القريب فطرية منسابة، وأوقاتهم سلسة مواتية.. في ظل قلة الناس وتقارب البيوت وصغر «المحلة» البلد.. والآن توسعت الديار.. وكثرت الناس وتفرعت الأسر.. وأصبح الإنسان في ظل المتغيرات الجديدة يغيب عن حضور مشاهد القرابات والأصدقاء، بسبب الانشغالات أو«أحيانا» قلة الاهتمام، فإذا تسنى له مرة وحضر رمقته بعض العيون بالعتب و«الشره» ثم «قد» يقرر عدم المجيء مرة أخرى لأنه لم يتقبل «نقده» أو الاشارة لغيابه المتكرر، والنفوس أنواع بعضها تتحمل العتاب وبعضها «ويبدو أنه الأكثر» لا تتحمله، كما قال الشاعر:
القيت في سمع الحبيب كليمة جرحت عواطفه فما أقساني
قطع الحديث وراح يمسح جفنه فوددت لو أجزى بقطع لساني
لذا الأجمل حينئذ الاستغراق في لحظة الحاضر.. وعدم تكرار لحظات الماضي بجراحها.. وإن كان ثمة عتاب فبالتلميح ما يغني عن التصريح، وبالإشارة ما يكفي عن صريح العبارة، فالنفوس تتحاشى «غالبا» معاتبها
حديث الروح للارواح يسري
فتدركه القلوب بلاعناء
هتفت به فطار بلا جناح
وشق أنينه صدر الفضاء
أتذكر أحد أعمامي - رحمه الله - وكان رجلا لطيفا مخموم القلب سمحا بساما، إذا جيئناه رحب بنا وهلا ودعا.. وكأننا أعز ما في دنياه، ثم نغيب وتأخذنا الدنيا.. أسابيع وربما أشهرا.. فإذا لقيناه اطرح الماضي وفعل لغة الحاضر الجميلة بكل ما فيها من جمال فكنا نحب لقاءه ونذكره بالخير حتى بعد مماته، ذلكم ما دعا يوسف عليه السلام فأعرض صفحا عن الماضي بكل ما فيه من جراح «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم» واشتغل بنعمة «اليوم» و «الحاضر» لقاء إخوانه وأرسل قميصه لوالديه..، وذلك ما دعا نبينا محمدا (صلى الله عليه وسلم) ليتناسى قسوة بعض أهله وبني بلدته «مكة» ليعلنها حِكمة وشرعة وخُلقا: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» أضعف النفوس من يهدمها ذكريات ماض أليم، وأصغر العقول من تحبسها فكرة خاطئة في الماضي، دعوة للدول، والمجتمعات، والمجموعات، والأقارب والأصدقاء.. لا تحرجوهم بسؤالهم عن غيابهم، وقلة تواصلهم فقد تجرحوهم أو يجرحونكم، واغلقوا الماضي، وقابلوهم بلغة الحاضر، واحملوا داخلكم ذكرياتكم القديمة الجميلة معهم.