هناك صفات جميلة كلما تشبثنا بها لما فيها من قيم كانت حياتنا وحياة من حولنا اجمل، من هذه الصفات الجميلة (الوفاء) وبطل قصتنا لهذا اليوم الاستاذ احمد بن خضران الزهراني المستشار الاسري وعضو إصلاح ذات البين بمركز التنمية الاسرية برأس تنورة. لقد استمر الاستاذ أحمد سنوات عديدة يبحث عن معلم الرياضيات السوداني، الاستاذ ابراهيم محمد ادريس من محافظة المحمية من قبيلة (الجعالين) الذي درّسه في مدرسة بطحان المتوسطة الثانية بوادي (بيدة) ببلاد زهران التابعة لمنطقة الباحة التعليمية عام 1396، ومنذ ذلك الحين لم ييأس الاستاذ أحمد من لقاء معلمه، بل استمر في السؤال عنه كلما قابل احدا من الاخوة السودانيين في اي مناسبة لعلمه بترابط السودانيين، وهذه الميزة من الصفات الجميلة التي اشتهر بها السودانيون.
يقول أحمد عن معلمه القدير ابراهيم: «كان معلما ناجحا ومربيا فاضلا رغم حداثة عهده بمهنة التدريس آنذاك كان مخلصا وحازما ولطيفا في آن واحد، كان في خارج اوقات المدرسة بمثابة الاخ الاكبر للجميع موجها لطيفا ومداعبا بأدب جم حتى اصبح وكأنه من شباب القرية لقربه من الجميع، كان يتجه معنا لملعب الكرة خارج القرية سيرا على الاقدام، طبعا الملعب هنا عبارة عن قطعة ارض جرداء حتى لا يعتقد احدكم انهم ذاهبون لاحد الملاعب الرياضية الحديثة!، ورغم ما يحدث من احاديث جانبية خارج حدود المدرسة وبعض الاحتكاكات الخشنة داخل الملعب احيانا، الا اننا نجد معلمنا في اليوم التالي قد طوى صفحة المزاح واللعب ولبس لباس وشخصية المعلم الناجح المعلم الصادق المخلص».
وفي عام 2015 كان الاستاذ أحمد ذاهبا في رحلة علاجية الى الشارقة وما ان وجد ان طبيبه سوداني حتى بادره بسؤاله عن معلمه ولحسن الحظ كان ذلك الطبيب من نفس قبيلة المعلم ووعده الدكتور بالبحث عن المعلم، عاد الاستاذ احمد بعد 3 اشهر من الزيارة الاولى للطبيب وكانت المفاجأة عندما قال الطبيب (يا شيخ احمد حصلنا ليك صاحبك) يقول الاستاذ احمد لم اتمالك مشاعري عندما ذرفت عيناي الدموع لا اراديا لدرجة ان الطبيب استغرب كل ذلك الحرص على ملاقاة المعلم وقال باللهجة العامية السودانية (يا خي الزول دا مو طبيعي عمل ليك شنو من شان توصل لهذه الحالة!؟).
هناك في السودان كانت دموع المعلم تذرف ايضا وقال بالحرف الواحد: (يا الله أحد طلابي مازال يذكرني بعد كل هذه السنين؟) وبدأ بالسؤال عن اغلب الطلاب بالاسم، بل وحتى بالاوصاف، فلان طالب ذكي وفلان كان شقيا لكنه جيد ومحترم ..الخ. وبعد الاتصال وعد طالب الامس بزيارة معلمه، وفعلا تحققت الزيارة يوم 16 اغسطس 2016 عندما التقى المعلم والطالب في بيت الاستاذ ابراهيم في السودان وكانت - كما ذكر الاستاذ احمد - «قمة الحفاوة والترحيب والإكرام والبشاشة والمؤانسة والتلطف والتودد واختلط اللقاء بمشاعر الصدق والوفاء والعرفان بالجميل من الطرفين».
وبعدها بدأ حديث الذكريات وكل من حضر ذلك اللقاء كان يود ان يحتضن الاستاذ احمد ويقبل رأسه مشيدين بهذه البادرة ولم يتوقفوا عن الثناء والمديح والإطراء على الشعب السعودي وبدأ الأستاذ إبراهيم في ذكر مناقب وادي بيدة وأهله وقبيلة زهران كونه عمل فيها لمدة عشر سنوات تقريبا كانت كافية للمعلم ابراهيم لمعرفة المنطقة واهلها.
وكان ممن سأل عنهم الاستاذ ابراهيم معالي وزير التربية والتعليم الدكتور محمد العيسى كونه كان من زملاء الاستاذ ابراهيم في ذلك الوقت بحكم تواجد والد معالي الوزير كرئيس لمركز بيدة.. الموضوع شيق ولكن حيز المقال ضيق!
كم تمنيت لو ان مساحة المقال تكفي، لأسرد لكم كل ما ذكره لي الاستاذ أحمد عن الزيارة بالتفصيل، لقد قدم لنا درسا عمليا في معنى الوفاء وروعة المشاعر الصادقة بين المعلم وتلاميذه من خلال هذه الزيارة، لقد تذكرت العديد ممن علمنا من الاخوة العرب كالمصريين والاردنيين والسوريين والفلسطينيين والسودانيين الخ... وفيهم الكثير من امثال المعلم ابراهيم، وهناك العديد من التلاميذ من امثال الزهراني!! وهنا اقترح على قنواتنا الرسمية والخاصة: ان يكون هناك برنامج بعنوان (الوفاء) وامكانية الجمع بين المعلمين وطلابهم في تلك الحقبة، واختم بما قاله امير الشعراء : قف للمعلم وفه التبجيلا....... كاد المعلم ان يكون رسولا.