قبل أيام اطلعت على دراسة سعودية نشرتها مجلة علمية مهتمة بالسلوك الإنساني المرتبط باستخدام الكمبيوتر، هذه الدراسة أثارت اهتمامي وأنا أتابع في وسائل الاتصال الاجتماعي ظاهرة تحول كثير من الطلاب السعوديين والعرب عموما إلى تصوير حياتهم اليومية وأحيانا تصوير فضائحهم وفضائح زملائهم على طريقة (تلفزيون الواقع).
الدراسة السعودية التي نشرتها مجلة (Computers in Human Behavior) باختصار تشير إلى وجود علاقة بين استخدام الطلبة المفرط للتواصل الاجتماعي (Social Media) وانخفاض معدلاتهم التراكمية لكنها ليست المشكلة الوحيدة التي صرح بها الطلاب الذين استجابوا للاستبيان الإلكتروني، فهم أيضا يعانون تأثير المنافسات الرياضية وضعف إدارتهم الوقت.
وبعيدا عن بعض جوانب الضعف في الدراسة مثل محدودية العينة والاعتماد على تصريح الطلاب بدلا من الكشوفات الجامعية قدمت عدة نقاط تستحق البحث منها مثلا زيادة معدل استخدام شبكات التواصل الاجتماعي من نفس الطلاب لتصل إلى حوالي 27 ساعة في الأسبوع بحلول عام 2013.
هذه الزيادة قابلها اعتراف أكثر من 60% من الطلاب بتأثير التواصل الاجتماعي على أدائهم الدراسي، وقدموا إجابة عقلانية عندما سئلوا عن عدد الساعات التي يجب ألا يتعدوها في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، بأنها من المفترض ألا تزيد على 10 ساعات تقريبا كي لا يتأثر تحصيلهم الدراسي، ومع هذا فإن كل العينة فاقت هذا العدد من الساعات فيما عدا 30% تقريبا.
هذه الدراسة بجانب كثير من سلوكياتنا تعكس المفارقة التي تجمع معرفتنا بما يجب فعله وسلوكنا الذي لا يقتصر على استخدام التواصل الاجتماعي أو سلوكياتنا في الإنترنت فقط، لكنه يؤكد أننا لا نحتاج لتوعية بكثير من المشكلات وأضرارها، بقدر تقديم مبادرات تساعد على تغيير سلوكياتنا الخاطئة.
ما لا تعرفه المجموعة التي قامت بالمشاركة في استبيانات الدراسة السعودية أن مدلولات إجاباتهم جاءت متوسطة بين نتائج بحوث مشابهة أجريت في نيجيريا وباكستان وغيرها، تفاوتت بين الإشارة إلى ضرر هذه الشبكات على تحصيل الطلاب أو أنها غير مؤثرة سلبيا بشكل واضح، بينما تؤكد دراسات في دول مثل أمريكا وأوروبا أن هذه الشبكات أصبحت تقدم إضافة ملموسة إلى التعليم الجامعي.!
فعلى سبيل المثال، بينما دراستنا السعودية تشير إلى أن تويتر هو الأكثر شعبية عند الطلاب السعوديين متقدما على فيسبوك، وبمعنى آخر بينما نفكر في مدى خطره على التحصيل العلمي لطلابنا، فإن دراسات منها مثلا دراسة لجنكو وآخرين (2011) انتهت إلى أن تويتر استُخدم في أمريكا كأداة تعليمية بين الطلاب لتعزيز تحصيلهم العلمي، ومتابعة التواصل مع المعلمين أو الزملاء إلى غير ذلك من التطبيقات المفيدة.
هذا الأمر يدعونا للتساؤل عن دور الجامعات السعودية بالطبع ليس عن التوعية، فإجابات الطلاب السعوديين أجزم بأنها ربما تكون الأفضل على مستوى العالم، لكن السؤال: لماذا لم تستفد جامعاتنا من تجمعات الطلاب وعلى رأسها شبكات التواصل الاجتماعي لتجعلها جزءا من استراتيجياتها التعليمية؟
ما المانع من تكليف محاضرين بتفعيل دور الطلاب في هذه الشبكات ومساعدتهم على قضاء أوقات مفيدة في ساعات تفوق اليوم الكامل من كل أسبوع كما تشير الدراسة، تضيع في متابعة الفضائح أو حتى المحتوى غير المفيد؟ ولماذا لا تُبادر الجامعات بتقديم نشاطاتها وخدماتها المجتمعية خارج سور الجامعة كمبادرات رصينة وهادفة وجاذبة للطلاب في هذه الشبكات؟
أسئلة كثيرة تستحق النقاش هنا مع المعنيين في قرارات التعليم خاصة الجامعي لربط النظرية بالتطبيقات اليومية، وتقديم مبادرات من هذا النوع أفضل بكثير من دراسة سبب تصوير شاب لنفسه أو زميله في أوضاع مخلة أو غريبة ونشرها على شبكة الإنترنت، لنأخذها ببساطة: هم يريدون دورا اتصاليا فاعلا، فقدموا لهم فرص تواصل محترمة.