DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

ولد الشيخ

ولد الشيخ.. وسيط يعوزه «الحزم»

ولد الشيخ
ولد الشيخ
أخبار متعلقة
 
وسيط يعوزه «الحزم»، فـ «الشرعية» في اليمن ليست للمفاوضة، بل لاستعادتها دون قيد أو شرط، أو بالأحرى استعادة الشعب اليمني لربيعه الثوري، الذي بدأ لتوه جني ثماره بعد اسقاطه «المخلوع» علي عبدالله صالح، إلا إن صح قول الكاتب النمساوي الشهير ستيفان زويغ (1881 - 1942): «الثورة قد لا تنتمي لمن يُفجّر شرارتها، وإنما لآخر يأتي ويسحبها إليه كالغنيمة»، والآخر هنا «شر مطلق». في اليمن ثمة حكاية، لا يمكن فهمها دون النظر إلى سياقها الإقليمي، وهو ما يعجز عن إدراكه مبعوث الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد، أو أنه يدركه ويتجنب الخوض فيه لـ «وعورة» يخشاها هذا «الأممي الناجح». اليمنيون في ربيعهم، حين خرجوا على «المخلوع» وعصابته، سعوا إلى دولة وطنية لكل أبنائها، تنتهج العدالة والنزاهة، وتعمل بجد لأجل مستقبل محبور، ظلّ معلقاً بالأمل طوال عقود مضت، وأنجزوا في ثورتهم ما عجزت عنه «ديمقراطية البنادق» السائدة، إلا أن صفوفهم ضمّت من ناصَب وطنيتهم العداء، وأسلم أمره إلى «عمائم» تتربص بالمنطقة شراً، وضمن إستراتيجية غايتها تطويق المشرق العربي وإحالته إلى مجال حيوي لـ «دولة قومية» تتدثر بـ «المذهب» لـ «تسويغ» غاياتها في الهيمنة والسيطرة، ولكن هل هذا ما يفهمه ولد الشيخ؟. ولد الشيخ، اقتصادي ودبلوماسي موريتاني، تدرج في حياته من «كتاتيب» ضواحي نواكشوط، مروراً بجامعات فرنسا وبريطانيا وهولندا، جامعاً بين ثقافتين، الأولى قبلية وطنية، تشكل الصحراء ودلالاتها الإنسانية قوامها الرئيسي، وأخرى حداثية، تسندها الثقافة الغربية بما بلغته من مدنية وتقدم. الموريتاني، المولود عام 1960 بمنطقة «بيلا»، التي أصبحت بعد عقود جزءاً من عاصمة بلاده، نشأ في أسرة رعت تعليمه وتربيته ضمن حاضنة تقليدية، لكن تفوقه في الشهادة الثانوية أتاح له، من بعد كتاتيب ومدارس موريتانيا، الالتحاق بدور العلم الراقية، لينال الدرجة العلمية الأولى (البكالوريوس) في الاقتصاد من جامعة مونبلييه الفرنسية، والدرجة الثانية (الماجستير) في تنمية الموارد البشرية من جامعة مانشستر البريطانية، ليعرج تالياً على كلية ماستريخت للدراسات العليا الهولندية، وينال منها شهادة متقدمة في الاقتصاد وتحليل السياسات الاجتماعية. الرحلة العلمية للشاب المتفوق أتاحت له إتقان لغات ثلاث: العربية والفرنسية والإنجليزية، وقادته إلى العمل في هيئات دولية، بدأت بـ «مفوضية الأمن الغذائي في موريتانيا»، ومن ثم هيئات مختلفة تابعة لـ «منظمة الأمم المتحدة»، ليتقلد على مدى 28 عاماً هي سنوات عمله في «الأمم المتحدة» العديد من الوظائف والمسؤوليات الأممية في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية. سِجل ولد الشيخ المهني يرصد نجاحات عديدة للرجل، إذ أدار مهامه بـ «حرفية الدبلوماسي» و«عقلية الاقتصادي»، فأنجز العديد من الملفات الكبرى، سواء في مواجهة وباء «إيبولا»، الذي اجتاح غينيا وليبيريا وسيراليون، وهدد بلداناً أخرى في الغرب الإفريقي، وكذلك عمله في صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، سواء في نيويورك، أو شرق وجنوب شرق آسيا، وانتهاءً بجورجيا. بيد أن القفزة المهنية، المرتبطة بالمشرق العربي، بدأت بتوليه منصب المنسق المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا (2008-2012)، قبل أن يتولى المهمة نفسها في اليمن (2012-2014)، وبعدها تعيينه مطلع عام 2014 في منصب نائب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، وتوّجت هذه القفزة باختياره في 23 أبريل 2015 مبعوثاً أممياً إلى اليمن، خلفاً للمبعوث جمال بن عمر. بن عمر كُلّف في أغسطس 2012 مبعوثاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن، وعمل على تسوية النزاع اليمني، وضمان انتقال سلس للسلطة، ورعى الحوار الوطني بين المكونات السياسية والقبلية، وصولاً إلى إشرافه (في 21 سبتمبر 2014) على توقيع اتفاق السلم والشراكة الوطنية، إلا أنه أعلن في 16 أبريل 2015 استقالته من منصبه كوسيط أممي، مُعترفاً بـ «فشل جهوده لإعادة العملية الانتقالية إلى مسارها باليمن، وتصاعد أعمال العنف». استقالة بن عمر أفسحت الطريق أمام ولد الشيخ للقيام بدور الوسيط الأممي في اليمن، التي كانت قد خضعت لـ «قرصنة مسلحة»، بدأتها جماعة الحوثي (جماعة أنصار الله) في 21 سبتمبر 2014 في صنعاء بمساعدة قوات عسكرية موالية لـ «المخلوع» علي عبدالله صالح، وأسفرت عن السيطرة على المؤسسات السيادية في الدولة، التي تشهد عملية سياسية معقدة، هدفها استعادة الاستقرار في البلاد. الوسيط الجديد، ولد الشيخ، عُرِف – طوال سيرته المهنية - بقدرته على «الاستماع»، والبحث عن «نقاط التلاقي» بين الفرقاء، و«الصبر» على التفاوض، وهو ذات النهج الذي سعى إلى تطبيقه في مهمته الجديدة، التي لم يدرك أنها مغايرة لما سبقها. ابتداء، ولد الشيخ لم يقرأ درسه جيداً، ونظر إليه على قاعدة «الاعتراف» بـ «حقوق» الفرقاء، الجزئية أو الكلية، وسعى إلى التوفيق فيما بينها، غافلاً عن حقيقة وجوهر الصراع الدائر، الذي لم يكن يوماً بين فرقاء وطنيين، يسعون - باختلافهم - إلى نهضة البلاد. ثمة فارق كبير بين «الصراع على اليمن»، وبين «الصراع في اليمن»، وهو ما لم يقبض عليه ولد الشيخ، ففي بلاد رزحت على مدى 33 عاماً تحت وطأة حكم دكتاتور فاسد (المخلوع علي عبدالله صالح) ثمة صراع متجذّر وممتد، فأعداء الأمس (الحوثيون والمخلوع) باتوا اليوم «مرتزقة» و«قراصنة» بـ «أجندة إقليمية»، تدعمها إيران، الساعية إلى خلق «مجال حيوي» يطوّق المشرق العربي من جنوبه ضمن مشروع للهيمنة غايته النهائية إخضاع الإقليم العربي لإرادتها الطائفية والقومية. وفي المقابل، ثمة «سلطة ناشئة»، تعبّر عن حالة من «التوافق الوطني»، استطاعت أن تجترح طريقها ضمن «صفقة وطنية» برعاية «إقليمية»، تحت عنوان «المبادرة الخليجية»، التي شكلت أول عناصر المواجهة مع التدخل الإيراني في اليمن، الذي استهدف شراء ولاءات الحوثيين بدعمهم وتغذية «طموحهم الطائفي»، مُستغلاً وهن الدولة في طورها الثوري. «المبادرة الخليجية» تضمنت آليات تنفيذية وخطوات عملية محددة، ترقى إلى «خارطة الطريق»، وتتجاوب بشكل فعّال مع تباينات مختلف القوى السياسية والعسكرية والقبلية في البلاد، وصهرتها في «جهد وطني» لبناء اليمن الجديد، بدأ بتسليم السلطة السياسية إلى الرئيس عبد ربه هادي ضمن صيرورة متفق عليها وبمشاركة الجميع، وهو على ما يبدو لم يكن مواتياً للمشروع الإيراني. في تطور المشهد اليمني، سعت إيران إلى إحباط العملية السياسية الجارية، كخيار تكتيكي حال عدم ضمانها مصالحها، مستفيدة من مرتزقتها، الذين سعت إلى تحويلهم من «مكوّن وطني» إلى «كيان موازٍ» و«مناهض» للمؤسسات الدستورية في البلاد، والحاقهم بـ «القلب الطائفي» في المنطقة، وتمكينهم عسكرياً، مستنسخة تجربتها في لبنان عبر «حزب الشيطان» (حزب الله اللبناني)، وهو ما أدى أخيراً إلى «قرصنة السلطة» و«اختطاف اليمن» في 21 سبتمبر 2014، بالتعاون مع «المخلوع». «قراصنة اليمن»، أو «الانقلابيون»، لم يكتفوا عملياً بإحباط العملية السياسية في البلاد، بل سعوا إلى نقل الصراع إلى جنوب المملكة العربية السعودية، في محاولة لتهديد السلم والأمن الإقليمي، وذلك تزامناً مع رفض «السلطة الشرعية»، التي يمثلها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، لما جرى، ومطالبتها بتدخل خليجي وعربي ودولي لإعادة الأمور إلى «نصابها الدستوري»، وهو ما وجد استجابة إقليمية ودولية على حد سواء، لتبدأ «عاصفة الحزم» في 26 مارس 2015 ضمن «تحالف» و«توافق» عربي عريض تقوده المملكة العربية السعودية. لتسمية الانتصار للشرعية في اليمن بـ «عاصفة الحزم» أصل عميق في الفلسفة السياسية للدولة السعودية، وهي تعود لمؤسس المملكة المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالعزيز آل سعود صاحب العبارة الشهيرة: «الحزم.. أبو العزم أبو الظفرات.. والترك أبو الفرك أبو الحسرات»، وهو النهج ذاته الذي سار عليه ملك الحزم والأمل، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيّده الله بالنصر-. وبالعودة إلى «المبادرة الخليجية»، التي جنّبت اليمن بعد الثورة صراعاً دموياً، في جوهرها هي عبارة عن «إطار» من «التحول التفاوضي والاتفاقي» بين اليمنيين، وفق دراسة إستراتيجية أعدها البروفيسور لورال ميلر (Laurel Miller) لصالح «المعهد القومي لبحوث الدفاع - راند» (National Defense Research Institute - RAND). ولكن، «الوسيط الأممي»، ولد الشيخ، على ما يبدو لم يدرك هذا المعنى العميق لـ «المبادرة الخليجية»، وانصرف إلى «ملهاة كبرى» في الكويت، تحت عنوان «مشاورات السلام اليمنية»، جوهرها مفاوضة «قراصنة اليمن»، أو «الانقلابيين»، ليس بوصفهم قتلة وإرهابيين، بل بوصفهم «شركاء» أو «أصحاب حق» (كلي أو جزئي) في اليمن. وبمعنى أدق خاض ولد الشيخ وساطته/مفاوضته دون أن يمتلك توصيفاً دقيقاً وواضحاً وموضوعياً لمفاوضيه الانقلابيين(«أنصار الله» - الحوثي وجناح المخلوع في حزب المؤتمر الشعبي)، الذين لا شرعية شعبية ولا دستورية لهم، وأيضاً لا تفويض بين أيديهم بالمفاوضة، باستثناء تفويض مرجعياتهم في طهران، بينما على الطرف المقابل يجلس ممثلون شرعيون ووطنيون منتخبون من الشعب اليمني بمختلف مكوناته. تقدم المبادرة الخليجية إطاراً نموذجياً، وفق المعايير الدولية للانتقال السياسي في اليمن، وجاءت ضمن سياق أشبه بـ «إصلاح النظام لذاته»، ووفق خطوات تنص عليها أدبيات الديمقراطية ضمن باب «تقاليد ونماذج التحول والخطوات المفضية إلى العبور الآمن من المرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية»، رغم الإقرار بعظم التحديات، خاصة في دولة تتعدد أطرافها الصراعية القادرة على الاحتكام إلى القوة، وتملك الأدوات الكفيلة بإخضاع المجريات التأسيسية والانتقالية لأجندتها الخاصة. على مدى 100 يوم واصل ولد الشيخ التأكيد على أسس متفق عليها دولياً لمفاوضاته، تتمثل في «المبادرة الخليجية» و«مخرجات الحوار الوطني اليمني» و«قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216»، لكن العقبة الكأداء تتمثل في كيفية فهمه لهذه الأسس، وعلى أي أوجه يأخذ بها، فمثلاً حتى اللحظة لم يسم هذا الوسيط الطرف المسؤول عن الواقع الحالي في اليمن، وكذلك تجنب تماماً الحديث حيال الطرف الرافض للتسوية المطروحة. يخشى ولد الشيخ إعلان الحقائق، فهذا سيشكل ضربة قاسمة لمستقبله المهني، مكتفياً بتكرار قوله إن «مشاورات الكويت لم تفشل، وحققت تقدماً في العديد من النقاط»، فيما يصر على اعتبار هذه «المشاورات الطريق لحل الأزمة». تصريحات ولد الشيخ تتجاهل تماماً الإرادة والشرعية الشعبية، وتتجنب الاشارة صراحة إلى الدور الإيراني في المفاوضات، بينما تعجز مؤسسته المرجعية، ممثلة في مجلس الأمن الدولي، عن اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه عرقلة روسيا لإجراء من هذا النوع، وهو نموذج لـ «الانغلاق السياسي» شبيه بـ «الحالة السورية». ينشغل ولد الشيخ الآن بجولات مكوكية، تشمل عواصم عدة، وفي كل منها يتحدث عن «حياديته»، التي يمكن أن تحظى بالتفهم إن كانت مبذولة بين فرقاء وطنيين، أو يمتلكون شرعيات متوازية، لكن واقع الصراع يشي بـ «حيادية» تنتصر للمجرم، وتتجاهل حقائقه. في مختلف مدارس تسوية الصراعات وبناء السلام ثمة اتفاق، نظري وعملي، على إخفاق أية تسوية ما لم تحقق «العدالة الجنائية» بين المتصارعين، وهي عدالة تقتص من الجاني بمقدار جريمته، وتنتصر للضحية بمقدار ما أصابها، وفي الحالة اليمنية «الضحية شعب» بأكمله و«وطن مقرصن» و«مستقبل رهن الاختطاف»، إلا أن ولد الشيخ في مختلف اطلالاته الإعلامية لم يذكر شيئاً عن هذه العدالة وكيفية تحقيقها لترسيخ السلام في اليمن. قد يكون ملائماً أن يطبق ولد الشيخ مقاربته في محاربة «وباء إيبولا» على «قراصنة اليمن»، أو «الانقلابيين»، فالصمت عنهم يعني انتشار وبائهم، وعليه أن يدرك أن «الحظر الصحي»، على مناطق الأوبئة، قد يكون نهجاً صالحاً في معالجة هؤلاء. في واحد من تصريحاته، يقول ولد الشيخ إن «اليمن كان يمر في مرحلة انتقالية توقفت»، وحين أخفقت جهوده سارع «القراصنة» إلى الإعلان عما سموه «المجلس السياسي» لإدارة البلاد، في شكل لا يحمل إلا دلالة واحدة، هي: أن المفاوضات الممتدة بيئة ملائمة لترسيخ ومأسسة وجودهم، وأن اجتماعات الكويت وما قد يتبعها ليست للتوصل إلى اتفاق، بل لخلق حقائق سياسية يسندها الأمر الواقع. لقد أحسن نائب رئيس الحكومة اليمنية عبدالعزيز جباري بقوله إن «المشاورات لن تنجح دون استعدادات حقيقية للسلام.. وفريق الانقلاب لن يأتي إلى طاولة الحوار الحقيقي إلا بعد أن ينكسر عسكرياً٬ وطالما أنه مسيطر على العاصمة صنعاء والكثير من المحافظات بقوة السلاح٬ ولديه البنك المركزي٬ فإنه سيظل غير معني بالسلام». اليمن على موعد مع «الأمل»، من بعد أن تنجز «عاصفة الحزم» أهدافها، ولعل أولى خطواته إعادة نسج «الوجدان اليمني» عقب تحطيم أحلام إيران وأطماعها وأذرعها الآثمة، ولعل هذا هو الهدف الأسمى والأكثر شرعية، يمنياً وخليجياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً، على الإطلاق.