DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

معركة حلب هي التي ستحدد مصير «الثورة السورية» ومساراتها المستقبلية

حلب.. شهباءُ تتطهّر بالفِداء

معركة حلب هي التي ستحدد مصير «الثورة السورية» ومساراتها المستقبلية
معركة حلب هي التي ستحدد مصير «الثورة السورية» ومساراتها المستقبلية
أخبار متعلقة
 
حلب، شهباء تتطهر بالفداء، في «ملحمة كبرى»، تعيد إنتاج التاريخ، فتُسقِطَ منه «مغولاً جدداً»، ضمروا اغتصابها، فحق عليهم الذل والهوان على عتباتها، هم لا يجيدون قراءة ولا كتابة، ولا يعرفون دين المدينة وديدنها، فيما ساقهم قدر- خطه حمقى– إلى أردى المنايا. لـ «المدينة»، الراسخة مجداً وكرامة، لسانٌ عربيّ، تدثر بالحرية، وأبى– دونها- الرضوخ، مُستلهماً ذاته من قرون خلت، فبات وصلاً لا ينقطع، وأحال الغزاة إلى مقبرة كبرى، وكأنها حفرة من جحيم، لا يُسمع منها إلا عذابات تزلزل اللاحقين بهم، ممن ارتزق في أرض الشام، خير الأجناد وأقدسهم. بواباتها القديمة شاهدة على عظمتها، هي تسع تحطمت عندها رماح أقوام خلت، كيف لا وهي العابرة من الألفية السادسة قبل الميلاد، ولعلها المدينة الأقدم عبر العصور، الجاثمة بنرجسيتها فوق سيرة ممتدة إلى ما قبل التاريخ. في تاريخها، هي عاصمة لحضارات كبرى، بدأت بـ «مملكة إبلا»، التي امتدت– قبل الميلاد بـ 3 آلاف عام- من هضبة الاناضول شمالاً حتى شبه جزيرة سيناء جنوباً، وسكنها الآموريون والحوريون، فيما– على ما تشير إليه الاكتشافات الأثرية– اتخذت من اسم «ملك إبلا»، وهو «إغريش خلب»، أول علامات اسمها الحالي. أما اسم حلب، فبدا أكثر جلاء في العصر البرونزي الأوسط (1800 قبل الميلاد)، وتحديداً في فترة الدولة البابلية القديمة، إذ ظهرت تسمية «حلبا» لأول مرة، وفق ما يورده كتاب جون ديفيد هوكينز، المعنون بـ «نقوش من العصر الحديدي» (Inscriptions Of The Iron Age). «حلبا» كانت، بالنسبة للعالم المعروف آنذاك، العاصمة الأقوى على مدى 18 قرناً، لتسقط في يدي الحيثيين بقيادة مرسيليس الأول (16 قبل الميلاد)، وتصير– بالنسبة لهم- ذات مكانة مقدّسة بعد اتخاذها مركز عبادة لـ «إله العاصفة المقدس». السيرة التاريخية للمدينة زاخرة بالكثير، فهي الشقية بغزاتها بلا منازع، ولعل ما تمر به في هذه الآونة من هجمة ما هي إلا جزء يسير، لا يرقى إلى غمامة صيف، مقارنة بعلاقتها «الوطيدة» بالصمود والتحدي، فكيف لـ «حلب»، التي استقبلت يوماً القائد العسكري الفذ الإسكندر المقدوني (تشير بعض الروايات أنه «ذو القرنين» الوارد ذكره في «القرآن الكريم»)، أن تكون لقمة سائغة لمرتزقة العصر الحديث؟. حلب مدينة عزيزة، لا تلين إرادتها، ولا تستكين على مذلة، فقد تأصلت مع صاحب «العهد الهيليني»، الإسكندر المقدوني، الذي لم يكن فقط قائداً عسكرياً، فهو أيضاً تلميذ الفيلسوف والعالم الشهير أرسطو، الذي ما زلنا– في العصر الحالي– نتلقى بشغف ما خطه في الفلسفة والمنطق وعلم الأخلاق والسياسة، خاصة وأنه تلميذ نجيب لأفلاطون، صاحب «المدينة الفاضلة». طوال قرون، سبقت ميلاد المسيح، ظلت حلب عاصمة عصية على القهر، وانتسبت إلى فضاءات واسعة وممتدة، وصولاً إلى «العهد الروماني»، الذي جعلها جزءاً من نسق جغرافي مرتبط بـ «سوريا الرومانية»، دون أن تخضع لأسلوب إدارته. إغريقية حلب، وما تنطوي عليه من انتساب إلى أبرز حضارات ذلك العهد، تلاشت بغزو «الإمبراطورية الساسانية»، وهو اسم رديف لـ «الإمبراطورية الفارسية الثانية» (226–651)، التي اتسمت بعدائها المُفرط لمختلف الحضارات الأخرى، وهي مفارقة عجيبة إذ تخضع هذه «الشهباء» الآن لـ «حرب قذرة» تقودها ميليشيات إيرانية، وتهدف إلى إلحاقها بـ «المركز الطائفي» في طهران. «الساسانيون»، أو الفرس، لم يصمدوا طويلاً، إذ دك حصونهم القائد الإسلامي خالد بن الوليد عام 637 ميلادي، لتصير حلب- منذ الفتح الإسلامي– واحدة من الحواضر البارزة، وتلتحق- تالياً– بـ «الخلافة الأموية»، ومن ثم «العباسية»، وصولاً إلى عام 944 ميلادية حيث غدت عاصمة «الدولة الحمدانية»، بقيادة الأمير سيف الدولة الحمداني. منذ الفتح الإسلامي، صارت حلب ثغراً منيعاً، وباتت عصية على كل غزاتها، الذين لم تخضع لهم إلا لفترات قصيرة فتعود مجدداً إلى عرينها الإسلامي، ورغم شدة حصار الجيوش الصليبية، خلال مرحلة «الحروب الصليبية»، إلا أنها عجزت عن اقتحامها. «الحروب الصليبية» في جوهرها رديف لـ «الحرب المقدسة»، التي تبجح بإعلانها قيصر روسيا الجديد فلاديمير بوتين على «الثورة السورية»، وهي محاولة لـ «تدنيس» عروبة سوريا، وتركيعها في سبيل مجد يسعى إليه ولن يناله. غزاة حلب، الذين يحاصرونها الآن، لا يعرفون سيرتها الأولى، فالمدينة أحبطت أربع جولات للمغول وطغاتهم، وفي عهد الدولة الأيوبية، التحقت حلب بحكم القائد الإسلامي الشهير، صلاح الدين الأيوبي، منذ عام 1183 ميلادية، إلا أن هولاكو (قائد المغول) احتلها في يناير 1260، وأخضعها بوحشية كبيرة، وذبح سكانها، مستغلاً انشغال المسلمين في معارك الفتح الإسلامي، إلا أنه لم يصمد فيها سوى 7 أشهر، ليهزم بعد تحقيق المسلمين لانتصارهم في موقعة «عين جالوت»، وتحديداً في سبتمبر 1260، لتعود المدينة إسلامية مجدداً تحت قيادة الظاهر بيبرس. «ثأرية المغول» أعادتهم ثانية إلى المدينة عام 1271، إلا أن بيبرس استطاع دحرهم، ليعودوا إليها مجدداً عام 1280 ويعيثوا فيها فساداً كبيراً، لكنهم سرعان ما فروا منها لدى رؤيتهم جحافل القائد المملوكي سيف الدين قلاوون. عاد المغول رابعاً إلى حلب عام 1317 بقيادة تيمور لنك، الذي عاث فيها فساداً، فيما تشير الروايات التاريخية أنه عشق القتل حتى أمر ببناء تلّة من جماجم سكان حلب، استخدم فيها نحو 20 ألف جمجمة. هولاكو وتيمور لنك، وغيرهما من طغاة الدم، حطّمت «حلب الشهباء» طغيانهم، فيما يثير هذا أسئلة عديدة عن بشار الأسد، من قبيل «هل يعرف تاريخ حلب؟». في العهد العثماني، ألحقت مدينة حلب بالإمبراطورية العثمانية (عام 1516)، لتشهد ازدهارها مجدداً، وارتبطت وثيقاً بالأناضول، ولعبت دوراً محورياً بوصفها المدينة الثانية بعد القسطنطينية، والمدينة الرئيسية للتجارة بين الشرق والغرب، وصولاً لانهيار الإمبراطورية مع نهاية الحرب العالمية الأولى، التي أسفرت عن إلحاقها بسوريا في «معاهدة سيفر»، إلا أن مصطفى كمال أتاتورك رفض المعاهدة، واستمر بضم حلب والأناضول وأرمينيا إلى تركيا، وخاض حروباً لاستقلال التراب التركي. سيرة الاتراك، أو العثمانيين، في حلب، هي سيرة بُناة، سعوا إلى نهضة المدينة، وتمكينها كحاضرة رئيسية وليست مُلحقة، وهي مقارنة واجبة مع المسعى الإيراني– الروسي الوحشي، الذي يستهدف الحجر والشجر والبشر، فيما يتحطم أمام إرادة المدافعين عن طُهر «الشهباء» وأنفتها. حين خضعت سوريا إلى الانتداب الفرنسي عام 1920، سعى الفرنسيون إلى تقسيم البلاد لولايات منفصلة، وخلق تمايزات فيما بينها لإضعاف مطالبات الشعب السوري بالاستقلال الوطني، فيما اقترحت باريس عام 1923 قيام فيدرالية بين ثلاثة أقاليم: حلب ودمشق واللاذقية، على أن تكون عاصمتها حلب (نقلتها تالياً إلى دمشق)، وعينت رئيساً للفيدرالية السورية صبحي بركات. بعد عام من قيام الفدرالية، استشعرت فرنسا وجود حركة وحدوية بين السوريين عموماً، فعمدت إلى إعادة هيكلة الولايات الثلاث في ولايتين، حلب ودمشق من جانب، واللاذقية التي خصصتها للطائفة العلوية من جانب آخر. الأمس واليوم يفصلهما نحو قرن من الزمان، إلا أنهما متشابهان تماماً إلى الحد الذي تغيب عنه الفروقات، فالفارق في «حديث الفيدرالية» لا يتعدى اللاعبين، فالمشهد اليوم ليس إلا تكراراً قبيحا لأحلام سقطت أمام الإرادة الشعبية السورية. هجوم بشار الأسد، وحلفائه من الفرس والروس والمرتزقة، لا يتجاوز استراتيجياً محاولات تكريس تقسيم سوريا إلى أقاليم ثلاثة أو أربعة، ليحتفظ «هولاكو سوريا الجديد»، الذي قتل ما يزيد على 400 ألف سوري، بدور الخادم في حضرة أسياده الإيرانيين والروس، الذين استقدمهم ليحتلوا وطنه ويقتلوا شعبه. تاريخياً، الحركة الوطنية في حلب أكثر تقدمية من نظيراتها في دمشق واللاذقية، وفي تاريخ المدينة شواهد عديدة، فحين أعلن المجاهد الدرزي سلطان باشا الأطرش، من جبل الدروز في السويداء عام 1925 «الثورة السورية الكبرى»، طالبت فرنسا «برلمان حلب العميل» على إعلان الانفصال، إلا أن الحركة الوطنية الحلبية، بقيادة إبراهيم هنانو، منعت البرلمانيين من الوصول إلى مبنى البرلمان، وأحبطت المشروع. حينها، ساهمت حلب في الحفاظ على وحدة سوريا، وأعلنت بالتوافق مع الحركة الوطنية في عموم البلاد عام 1930 قيام الجمهورية السورية، ووقعت عام 1936 معاهدة الاستقلال مع فرنسا، ونودي بالملك فيصل ملكاً، إلا أن عودة الاحتلال الفرنسي عام 1941 مجدداً، أطلقت مرحلة جديدة من مقاومة الاحتلال الفرنسي الذي انتهى بإعلان استقلال البلاد مرة ثانية عام 1946. وأيضاً حلب، عادت مجدداً اليوم لتعلن أنها الأكثر إدراكاً لما يحاك ضد سوريا الوطن والدولة، وخرجت عن بكرة أبيها لمواجهة آلة الطغاة، في مواجهة ستعيد للمدينة ألقها التاريخي، الذي دنسه من قبل بشار والده، حافظ الأسد، الذي أمعن القتل والتدمير في المدينة الشهباء، حين قصف شعبه بالطائرات والمدفعية في المواجهة مع الحركة الإسلامية (جماعة الإخوان المسلمين السورية) بين عامي 1979– 1982، ويعتقد بأنها ثاني مدينة سقط فيها شهداء بعد مدينة حماة. في ذلك الوقت، قتل حافظ الأسد السوريين على انتسابهم المذهبي والديني، إذ تشير الوثائق التاريخية أن قواته اختارت ضحاياها، الذين تجاوز تعدادهم الـ 40 ألفاً، بناء على مظاهر التدين، والالتزام باللباس والمظهر الشرعي، فيما لم تكن معصيتهم سوى المطالبة بالحرية والكرامة، وهو ما أعاده مجدداً الطاغية الصغير بشار الأسد. حين وُصِفت حلب بـ «الشهباء»، قيل إنه وصف لحق بها لـ «بياض ترابها»، لكنها اليوم معمّدة بـ «الدم الحر»، الذي يأبى أن يكون مطيّة لـ «أقلية علوية»، أو خاضعاً للفرس والروس، ومن طاف في فلكهم من مرتزقة الأرض. «العصية» لم تهن يوماً أمام غُزاتها،، فـ «الكرامة» و«الحرية» أصل فيها، ترويه أثداء نسائها، اللاتي أرضعن أبناءهن عزة وأنفة، وأبلغنهم أن «آلة التركيع» لن تمر من حلب النابضة حياة، وأن عليهم مواجهتها، ليسأل طفل: بأي طريقة؟، فيُجِبن: بـ «الإرادة»!. «إرادة حلب» واجهت صخب «السوخوي» بـ «التكبير»، وحين أمعنت قصفاً وتدميراً ابتكر أطفال المدينة ملهاتهم الجديدة، إشعال الإطارات المطاطية ليواريهم دخانها عن «أعين خائنة» و«وجوه مصفرة»، في احتفالية أحالت سماء الشهباء دخاناً أسود علّه يذهب بعيداً بـ «قذيفة غبية» تقتل طالب الحرية وتبقي على الطاغية والمجرم. في ملهاتهم، تساور «أطفال حلب» رغبة جامحة بمرافقة «أطفال فلسطين» في صدارة قائمة البطولة والفداء، فيحتفلون بإشعال كل شيء، لتضليل الطائرات، حتى ملابسهم الرثة، يتساءلون: ما حاجتنا بها؟، فالشهيد يوارى الثرى بما استشهد عليه، ولن تزده ملابسه تأنّقاً عند لقاء ربه، وأي تأنّقٍ وقد أقبل شهيداً؟. على جبهات القتال، يحقق الثوار انتصارات متلاحقة، تحمل في ثناياها دلالات عديدة، لعل أهمها تماسك المقاتلين وتوحدهم خلف راية «كسر الحصار» عن حلب، وقهر الغزاة وتلقينهم درساً في البطولة والفداء. وفي المشهد الميداني ثمة أهداف عديدة، فمعركة حلب هي «الملحمة الكبرى»، التي ستحدد مصير «الثورة السورية» ومساراتها المستقبلية، وستعيد حسابات الغزاة من الفرس والروس، الذين باتوا يدركون أنهم يواجهون شعباً وتاريخاً وإرادة لا تقهر. المراحل الأربع الأولى من خطة الثوار في المواجهة العسكرية تشي بالكثير، وستؤسس لمرحلة قد تدفع مختلف الفاعلين في الحرب الدائرة إلى العمل بشكل جماعي ومنظم ومتزامن، وبما تعيد تنظيم صفوف المعارضة السورية تحت لواء واحد، وأيضاً بما يعيد حسابات القيصر، التي يظهر أنها تخالف تماماً حسابات البيدر. المواجهة لا تزال مفتوحة، وتجربة حفر الأنفاق وتفخيخها وتفجيرها بالميليشيات الموالية للأسد، تشي بأن استعادة نظام بشار وحلفائه للأرض يعني بالضرورة تحويلها إلى مقبرة كبيرة لهم، من شأنها كسر موازين القوة القائمة، وإلحاق الهزيمة بأذرع إيران، التي ستشهد انكفاءً على الداخل، الذي سينقض عليهم مسائلاً إياهم عما ورطوا فيه بلادهم. حلب تضع قوانين وعقائد جديدة للقتال، ستجد طريقها، يوم النصر وإسقاط الطاغية وحلفائه، إلى أدبيات أرقى المدارس العسكرية في العالم، عندها قد يستضيف جنرالات الشرق والغرب طفلاً ليروي لهم خطته في تضليل «السوخوي»، وربما في مواراتها عن ناظريه ليشعر بـ «طمأنينة» ما.