كان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش قد أطلق إبان حملته الانتخابية الثانية كلمته الشهيرة حول أن العالم سيكون أكثر أمنا بدون صدام حسين، لتبرير تورطه في العراق، وبعد مضي كل هذه الأعوام منذ احتلال العراق عام 2003م، وحتى الآن سالت مياه كثيرة من تحت جسر الأمن العالمي، ولم يعد بوسع حتى خصوم صدام حسين أن يثبتوا مصداقية هذه المقولة، لأن حالة الاضطراب التي باتت تسود معظم دول منطقة الشرق الأوسط، ومواقع عديدة من جغرافيا العالم، ثم احتدام الصراعات المذهبية والعرقية على وجه التحديد، لا يتيح فرصة للتوقف عند هذه العبارة، التي وإن جاءتْ ضمن سياق انتخابي على ما يحتمله من المناورات الخطابية لكسب أصوات الناخبين، إلا أنها تعبر عن قناعة الرئيس الذي قرر خوض الحرب في المنطقة، والذي لا يزال يتمسك بها حتى الآن على أنها قناعة، وليست مجرد عبارة تبريرية.
وبالتأكيد من حق الرئيس بوش وغيره أن يقول ما يرى، لكن التاريخ هو من يقرر في النهاية صوابية هذه الرؤية أو تلك، غير أن هذا ليس هو مبحثنا هنا، وإنما نريد أن نتوقف عند تصريح المرشح الجمهوري الجديد دونالد ترامب والذي نسف مقولة بوش الابن من الجذور، رغم أنه القادم من نفس الحزب، عندما قال: إن العالم كان من الممكن أن يكون أفضل بوجود صدام حسين ومعمر القذافي!، وهي مقولة لها دلالاتها السياسية، لأنه من المؤكد أن المرشح الجمهوري ترامب لا يتملق أحدا بهذه المقولة، فلم يعد صدام حسين ولا القذافي في مرمى سماعه، مما يعني أن الجمهوريين الذين حملوا لواء التدخل العسكري أصبحوا اليوم، وعبر مرشحهم الجديد في واد آخر، من المبكر، ومن العسير قراءته كاملا وبوضوح، لكن يمكن أن يتم استشفافه من خلال مثل هذه التصريحات التي تقف على النقيض من السياسات الأمريكية التي كانت قائمة فيما مضى.
صحيح أن الجمع بين الأطراف المتباعدة في أحاديث وتصريحات ترامب يبدو عصيا ومستحيلا، فالمرشح الثري وبطل المصارعة السابق قدّم حتى الآن الشخصية الأكثر جدلا في التاريخ الأمريكي، من خلال مواقفه من المسلمين، وحدته في طرح بعض الآراء، لكن ضربه لمقولة سلفه الجمهوري تفتح نهم الأسئلة عما إذا كان الجمهوريون وفي حال وصول مرشحهم لسدة الرئاسة لن يبقوا على الحياد مع منهج أسلافهم، والذي لا يزال قائما من خلال مواقف بعض الأسماء البارزة من رجالات الحزب كالسيناتور جون ماكين، والسيناتور جون كايسيك المرشح الرئاسي السابق وغيرهما، وأنهم قد قلبوا له ظهر المجن، وهي أسئلة لا يمكن الإجابة عنها من خلال التخمين، خاصة في ظل هذه الأجواء المضطربة، وبعد ما شجعتْ سياسات إدارة أوباما المتراخية إيران وفصائلها للعبث بأمن المنطقة بالسكوت عن تجاوزاتها، مقابل تأجيل خطر النووي الإيراني، وليس تعطيله، مما يؤكد أن السياسة الأمريكية التي دخلتْ مع الإدارة الراهنة في منعطفات كثيرة، لا يزال أمامها الكثير والكثير من المنعطفات في قادم الأيام ما لم تتنبه إلى تلك النظم التي تعمل بالضخ الأيديلوجي، إن كانت تريد الوصول حقا إلى العالم الأكثر أمنا.