«مقبرة الوزراء».. هذا ما أطلقه البعض على تلك الوزارة التي شهدت تراكمات كثيفة على المستوى النقدي، وتاريخا طويلا من التغيرات والتغييرات في الوزراء، والهيكلة، والتنظيمات، وغيرها.
ومع كل ذلك ما زال واقع الصحة ووزارة الصحة غير مقبول لدى معظم المواطنين بل اشتدت عجلة النقد، وتكثفت مراقبة ومتابعة الأعمال، وتغيرت الوزارة، وكرس المواطن ذاته لنقد كل شيء في دائرة الصحة، لسبب بسيط وهو أن ما يحتاجه المواطن من الوزارة لم يجده واقعا، أو أقلها ليس هو المأمول بحسب ما يقدم لتلك الوزارة، وبحسب تكاثر الطلب على الخدمة الصحية المرضية.
ولا يمكن لأحد أن يؤكد، أو يذكر أن وزيرا في الصحة قد نجح في إرضاء المواطن صحيا.. وقد يكون الواقع الصحي بجانب تواضع خطط وتباطؤ تطوير الصحة سببه المواطن أيضا في بعض متطلباته وسلوكه الصحي.. ولكن تبقى المسؤولية الأولى على الوزارة في تأخرها التاريخي أن تخرج من عدم التطور والتطوير والتقدم إلى مستويات مميزة مع تلك الميزانيات الهائلة..
وحين استدعي واقع الوزارة عبر الماضي أجد أن دواعي إخفاق الوزراء هي في اتجاهين.. اتجاه يتعلق بالوزارة وتراكمية مشكلاتها، وبسبب وجود قوى متكتلة وضاغطة على العمل والتطوير فتعطله، وبسبب اعتلال الأنظمة، والهيكلة الإدارية وتقليدية الموظفين وتداخل المهام، واللوائح، وتبعية الجهات الصحية التابعة لمؤسسات أخرى، وبسبب نزعة المسؤول للدفاع عن منصبه ووزارته.
واتجاه يتعلق بأداء الوزير نفسه فكل وزير يحمل أولويات تخصه، وخططا يتبناها من مستشاريه، واستراتيجيات ناسفة لما قبلها، والتركيز على ملف أو ملفات مختلفة تماما عمن سبقه.. وكل وزير يهمل أولويات المواطن.. فلم يسبق أن تجري وزارة الصحة لأجل الوزير مسحا واستقصاء صادقا وأمينا عن أولويات المواطن وماذا يحتاجه منها.. وليس من المجدي وضع رقم أو وسيلة للاقتراح فالوزارة مكلفة وملزمة بالبحث في احتياجات المواطن ومتطلباته..
لو فعل أي وزير ذلك وبنى وزارته على متطلبات وأولويات المواطن وتناغم ذلك مع خطط وبرامج عامة منسجمة تسهم في تحقيق تلك المتطلبات لكان النجاح حليف هذا الوزير أو ذاك.. ولكن الوزير في أي وزارة يهتم بأولوياته وخططه أكثر من أولويات المواطن.. لذلك تجده يذهب ولم يحقق شيئا مهما للمواطن ويأتي غيره ويتبع نفس الأسلوب.
أمور واضحة ومعروفة نستطيع وضعها على طاولة الوزير الجديد «الموفق» بإذن الله توضح أولويات المواطن التي تكمن في: إيجاد وتوفير سرير في حالات الطوارئ. أن يعالج المواطن في أي صرح أو مركز صحي للدولة دون شفاعات. التعامل مع المواعيد بما يكفل حالة المريض وحاجاته لسرعة الموعد وحل مشكلات تأخر كل المواعيد.
محاولة بناء برامج وأساليب تقلل الأخطاء الطبية.
التصدي لاستغلال كثير من المراكز والمستوصفات الصحية التجارية للمواطن واستنزافه ماليا دون مراعاة للاحتياج المرضي أو الحالة وكذلك تباين أسعار الكشف دون تصنيف حقيقي للمراكز وإعلان الأسعار للمواطن.. والتركيز على عبث مراكز التجميل وتقويم الأسنان واستضافة الأمهات والمواليد التي لا رقيب عليها.
ضبط البيع في الصيدليات خصوصا فيما يتعلق بالأدوية والفيتامينات والمعالجات وأدوات العناية والتجميل والتي تتفاوت فيها الأسعار بشكل صادم.
تطوير حقيقي للمراكز الصحية الأولية وترك الاستئجار العشوائي وبناؤها بشكل يتواءم وتقديم خدمة صحية أولية معتبرة ومتابعة العاملين فيها والتقييم الدائم لها وسؤال المواطن عن أدائها بعيدا عن صناديق الاقتراحات.
التدقيق على استقدام وجلب الخبرات الطبية خصوصا الأطباء الذين يعملون في المراكز الصحية التجارية وتفعيل معايير صارمة لجلب أي طبيب «انطباع المواطن أن الطبيب الجيد لا يترك بلده أساسا ويأتي إلينا» هل هذا صحيح؟
كانت تلك بعض الأولويات التي يتحدث عنها المواطن في مجالس حديثه ويبث من خلالها مطالبه للوزارة ويتمنى أن يدركها أي وزير للصحة بالاهتمام والعناية.. وليت الوزارة تعمل وتركز على تلك الأولويات لأنها تخدم المواطن فخدمتها له من خلال ما يريد ويحتاج لا من خلال ما يراه المسؤول ومستشاروه، كما نأمل أن توفق الوزارة في رسم سياسة عامة وخطط واضحة منطلقة من احتياجات المواطن حيث يتبعها كل وزير يكون في وزارة الصحة لا أن تتكرر سياسة نسف السابق لعمل قادم.