نستقبل العيد بمثل ما استقبلنا به رمضان، وفي الحالتين يحدونا الأمل بأن تتوقف منغصات فرحتنا الكبيرة بهذه المناسبات الغالية، فيزداد الرجاء بأن يمر العيد بسلام بعد أن شهد رمضان ما شهده من ممارسات مؤذية سَبَبُها فئة من الشباب المستهترين بالأمن وبحياة الناس وحياتهم، حيث طالعتنا وسائل الإعلام ووسائط «السوشيل ميديا» بأخبار وصور وتقارير أمنية مفصلة عن جهود كبيرة لرجال الأمن، هي لمداهماتِ عددٍ من الاستراحات الشبابية، لكنها تخص ما يطلق عليهم «الدرباوية» بعد أن تفاقم نشاطهم في الشهر الفضيل وبصورة لافتة ومثيرة للتساؤلات، فقد تقصدوا فعل كل ما يخل بشعيرة الصيام العظيمة وفي نهار رمضان، بل وبصورة علنية فاضحة، بحيث كانوا يتعمدون تناول وجبة الإفطار بعد صلاة الفجر مباشرة، وكأنهم يتقصدون مخالفة تعاليم الدين وتشريعاته السماوية، وعَقِبَ انتهاك هذه الشعيرة يتوجهون لهواياتهم المدمرة مع بزوغ الشمس مباشرة، إبتداء بالتفحيط وانتهاء بسباقات الهلاك والعنف بكل ما في هذه الممارسات من فوضوية واستهتار بالأرواح والممتلكات والقيم، الأمر الذي يؤكد وبما لا يدعو للشك أن ظاهرة «الدرباوية» باتت منتشرة بشكل واسع بين الشباب وبات خطرها داهما ومهددا.
أزعم أنه بات من الضرورات المُلحة إحكام القبضة على تجمعات هؤلاء، وكبح جماحهم بتفكيك منظومتهم التي باتت واضحة الملامح، واستحالتها شكلا من أشكال التنظيم غير المعلن قولا ولكنه معلن فعلا وممارسة، بل ووفق شروط محددة، كتوحيدهم اللباس وطريقته واتخاذهم بعض المشروبات الغازية رمزا لانتماءاتهم، فضلا عن اعتدادهم بنوع محدد من السيارات، وتجاوز الأمر إلى ما هو أشد خطرا باتخاذهم مؤخرا الأسلحة النارية وسيطا للتعبير عن جسارتهم وجبروتهم، فهم يصطفون بالرشاشات في ساحات «التفحيط» ويستخدمونها في كثير من الأحيان، وهذا مؤشر يدل على أنهم تجاوزوا الحدود فعليا، وبلغوا مرتبة متقدمة من الخطر على المجتمع وأمنه، ويزيد الطين بلة ذلك الإنجذاب الواضح من قبل المراهقين وبعض الفئات العمرية الصغيرة لممارساتهم، ثم تنامي نسبة الإعجاب بهم وبما يمارسونه من سلوكيات خاطئة وخطرة في آن، وقد سهّل «اليوتيوب» و«السناب شات» لهم إبراز مشاهيرهم وايصال ممارساتهم إلى نسبة كبيرة من مراهقي المجتمع، وهنا تزداد الخطوط الحمراء دقا وانذارا.
إذن تحت أي بند تصنيفي يمكننا وضع أرباب «الدرباوية»: الهمجية، الاستهتار، العبثية واللامسؤولية، البحث عن الشهرة المزيفة أم ماذا بالضبط؟؛ ففي ظني أنهم مزيج من هذه التركيبة العجيبة، فما فعلوه في رمضان يضعنا ويضع رجال الأمن على المحك في أن من فعل هذه الشنائع في رمضان لا يتردد عن فعلها في أيام العيد، ومن هنا يزداد البحث عن سبل حقيقية لوقف هذه المنظومة التي استثمرت شبابها وفتوتها للبحث عن سبل تهلكة تفنيها وتفني مقدرات الوطن دونما وعي يذكر.
وطالما أننا حيال خطر محدق يلزمنا البحث بجدية وعزيمة للخروج «بالدرباوية» من هذه البوتقة الأشبه بالبوهيمية إن ساغت التسمية، علما بأن الحلول لا تكون أحادية الجانب برميها فقط على الضبط الأمني، إنما هي مسؤولية مجتمع بأسره، أولها متابعة الأسرة لأبنائها، كما وهو الأهم تحقيق مبدأ الوقاية بمبادرات رسمية تتمثل في فتح مجالات ترفيهية للشباب، الذين باتوا يعيشون أزمة حقيقية جراء قلة وندرة أماكن ومجالات الترفية، حيث تصبح هذه الفئة جاهزة لاستقطاب واستقبال كل من يستشعر فراغا في ساعات يومه، ويبحث عن طريقة لشغله، فدفعت قلة الخيارات الترفيهية المقننة لدى الشباب كثيرا منهم إلى عالم الدرباوية و(هسترته).