بناءً عن إحصائيات جامعة الملك عبدالعزيز بوجود مخالفات مرورية ينتج عنها في العـام وفاة 17 شخصا كل يوم؛ اي حالة وفاة كل 40 دقيقة؛ وهى تمثل أعلى نسبة حوادث في العالم؛ مخلفة 68000 مصاب منها 2000 (إصابة دائمة شلل أو إصابة في الحبل الشوكي) أي 5 أشخاص تعاق كل يوم وتكلف الاقتصاد الوطني 13 مليار ريال؛ وأن المشكلة تدور في فلك مثلث أضلاعه السيارة والقائد والطريق. ولا ننسى العوامل الأخرى مثل الجغرافية السكانية والاقتصادية، ولكن المشكلة أننا نكتفي بعرضها ونركز على أسلوب التوعية؛ وهى التي تأتي في خاتمة الحلول.
وعلينا قبل النظر في المشكلة البحث في أسبابها. ولو رجعنا إلى قاعدة المثلث والعوامل الأخرى المكملة له؛ وفردناها على طاولة التشريح لاستئصال الأوبئة؛ وقتل الجراثيم المنتشرة؛ واحدة تلو الأخرى لنصل في النهاية إلى كيان معافى تنفع معه التوعية والإرشاد والتوجيه كي لا تتراكم من جديد الآفات الفتاكة.
وهنا أود أن أعرج على بعض التفاصيل، التي تحتاج إلى تشريح. فأحد أضلاع المثلث «السيارة» وهى منتج حضاري يحتاج منا إلى معرفة بعض المفاهيم للتعامل معه، حيث التشغيل والصيانة. وهي تتطلب أبجديات الكهرباء والميكانيكا ودورة الماء والزيت في المحرك لكي يعمل بصورة آمنة وسلسة دون تعطيل أو إعاقة للطريق. وهذا يتطلب وجود ورش فنية متخصصة لتدارك ما قد ينشأ من أعطال تعمل بشكل عالي الجودة؛ وليس بالتخمين كما هو حاصل في معظم ورشنا المحلية، التي تشغل عمالة غير ماهرة. وهنا تبرز أيضا أهمية توافر قطع الغيـار عند الوكيل المعتمد. وهذه الأمور مجتمعة تحتم وجود شروط ومواصفات قياسية لسلامة المركبة في التصنيع قبل استيرادها؛ تفرضها هيئة المواصفات وأنظمة حماية المستهلك وتقرها وزارة التجارة وتطبقها إدارة الجمارك.
والضلع الثاني في المثلث هو أنظمة السير في الطرق؛ التي تنظمها إدارة المرور. ومن المفهوم أن أنظمة المرور تساير وتواكب الوضع الاقتصادي في البلد؛ إذ إن وفرة السيارات تفرض اتساع الطرق؛ وتحتم وجود إشارات ضوئية وكباري وأنفاق وأرصفة ومواقف. والنظام المروري يهتم بالعملية التنسيقية للاستخدام الأفضل والأسلم؛ وهذه المنجزات تخدم أغراضها لضمان السلامة والانسياب الأمثل، وهو الذي يحدد القدرة على الاستيعاب وإدراك معاني هذه المنجزات. ولو نظرنا بتمعن في تخطيط شوارعنا لاتضحت لنا بعض المآخذ مثل: وجود أرصفة عريضة بلا مشاة؛ شوارع بلا مواقف؛ جزر بيئية في المزدوج أكبر من حاجة الشارع؛ تقاطعات بلا إشارة؛ والمؤكد أن التركيز على جماليات التنفيذ لا يلغي أساسيات التخطيط.
والضلع الثالث من المثلث وهو قائد المركبة، الذي يعتبر العنصر الأكثر أهمية، الذي بسببه تزاحمت الأفكار والأطروحات؛ لأنه الغاية والوسيلة في آن واحد؛ فهو الغاية التي من أجلها وضعت الخطط وسنت الأنظمة؛ وهو الوسيلة لأنه الوحيد الذي به تكتمل الأنظمة وتسير الخطط لكن لا يجب التغافل عن الظروف المحيطة، وما يترتب على أفعال مخالفة لما شرع، وللإيضاح يجب معرفة دواعي ارتكاب المخالفات مثل قيادة مَنْ هم دون السن القانونية بالإجابة عن مجموعة التساؤلات التالية: ¿ هل تتوافر وسائل نقل عامة رخيصة؛ وفى متناول الأسرة مبتعدة عن حافلات النقل الجماعي ذات 40 راكبا؛ التي لا تتناسب مع بيئتنا الاجتماعية؟
¿ هل تتناسب أجرة سيارات الليموزين مع دخل الفرد لكل مشاويره؟
¿ هل أسلوب نداء سيارات الأجرة متاح للعائلات؟
¿ هل العناوين من الوضوح بما يكفي لتلبية النداء؟
¿ هل لدى سائقي الأجرة إلمام كاف لمعرفة المواقع داخل المدن؟
هذه التساؤلات وسواها تجبرك أن تغض الطرف عن ابن 14عاما لقيادته للسيارة من باب الاضطرار، أما عن التهور والسرعة والتفحيط، فكلها ناتجة عن فراغ شباب عاطل ينقصه الوعي، والتثقيف التربوي، وهناك عامل أساسي ومهم إذ ثمة سائقون وافدون يجري التعاقد معهم لقيادة مركبات لم يرها من قبل؛ فارهة الطول بمحركات أتوماتيكية تسابق الريح؛ ومعظمهم كان يقود دراجة بثلاث عجلات.
ولكي يكون الحل إيجابيا لابد من دراسة هذه الإشكاليات بإيجاد وسائل النقل الأسري والمدرسي بما يتناسب مع أوضاعنا الاجتماعية؛ ولا ننسى أن ذلك يشكل صمام أمان يحد من عنفوان سرطان العصر (حوادث الطرق)