التبرير لكل خطأ أو فشل من أساسيات النفس البشرية بكل أشكالها ومقوماتها، أحيانا يكون هناك تبريرات منطقية مرتكزة على أسباب نفسية أو عقلية، وأحيانا أكثر يكون التبرير المشترك هو المؤامرة، فهو غزو لعقول كل البشر من مختلف الثقافات والحضارات وبات هو المبرر الأول لكثير ممن فشلوا في تخطي أو عبور أفكار ما فجعل من المؤامرة سببا حجزه عن التقدم والعبور.
وفكرة المؤامرة قديمة بقدم البشر فهي فكرة عقلية، ومصدر يقف عنده كثير من الأخطاء، أنظمة سياسية قامت عليه وبسببه لم تسقط وتوجيه العقول اليه يعد ضمانة لاستمرار هذه الأنظمة بحيث أصبحت من المسلمات وشيئا بديهيا في حالات الإخفاق وأصبحت ظاهرة متأصلة عند كثير من الناس وبتغذية ممن يريد انتشار الفكرة.
أصبحت فكرة المؤامرة العنوان الرئيس في الوقت الحاضر صحفا ومجلات وتليفزيون لا حديث يعلو فوق حديث المؤامرات الكونية التي تحيط بنا وتدفعنا إلى الحذر منها ومقاومتها بكافة أشكال المقاومة، والكل يتبارى في شرح أطراف المؤامرة والمتأمرين وغالبا الطرف المتآمر عليه معروف فهو إما نحن أو مصالحنا بشكل عام وقد يختلف أحيانا الجانب المتآمر ولكنه ينصب بشكل أكبر على أصحاب المصالح.
ولكن ليس بعيدا أن هناك جانبا حقيقيا في الفكرة فليس كل شيء بعيدا عن المؤامرات، فقد نجد في الآلة الصهيونية مثالا لذلك بأذرعتها العديدة في كافة المناحي ومصالحها التي لم ولن تنتهي ما بقي هناك دول تغرد خارج سيطرتها، ومن الأمثلة القريبة على فكرة المؤامرات الصهيونية كتابات وأجزاء من بروتوكولات حكماء صهيون والتي قد دونت منذ ما يزيد على قرن لآراء وخطط ومكائد للسيطرة على عوالمنا مما جعل الكثيرين ينظرون إليها على أنها المفتاح لكل مؤامرة قد تحيط به.
ولكن بماذا يمكننا أن نفسر هذه النظرة هل هو خوف من الآخر أو الأقوى المجهول لأننا لا نعرف كثيرا من خباياه كالإرهاب مثلا أم هي دوافعنا الشخصية ورغبتنا دائما في أن نبرئ نفوسنا من أي خطأ قد نقع فيه أو فشل ما وصلنا إليه. يعد ما صرنا إليه من تضارب في الآراء والأفكار سببا مباشرا لما آلت إليه أمورنا بشكل كبير وفي حرب المصالح باتت كل أدوات الحرب متاحة سواء كانت لتبرئة نفوسنا أو لدفع الخوف من كل أفكار قد تؤدي بنا إلى زوايا قد لا نحب الوصول إليها، فبات اعتمادنا على التبرير بهذا الشكل أقرب الطرق لنمحو صورة سيئة أصبحنا عليها، رغم أننا قد لا ننفي حقيقة هذه المؤامرات أحيانا إلا أننا قد لا نطيق صبرا على انسحابها على كل شيء وصبغ كل الأشياء بصبغتها وتحت تأثيرها.
في قراءتنا للتاريخ نجد التأصيل لهذه الفكرة بشكل كبير وقد نجدها في كثير من الأحيان أنها تزييف للحقائق ومجرد تبريرات لفشل قد وقف أمام من دفع بهذا الدافع كعصور الانكسارات العربية فكانت أي انتكاسة نتيجة لمؤامرة وإذا كان هذا التبرير لنفي التهم حتى لا يكون للأجيال القادمة أي انتهاك لأعمال السابقين فليس من الضروري أن يكون نابعا عن هذه الفكرة بالذات فهي قد أدخلتنا إلى دوائر الطائفية والقبلية وسنحترق بها.
وفي خلاصة ما نرى قد نجد أننا نسير في أفكار ضيقة تدل على أفق ضيق ودوائر شبه مغلقة قد لا نستطيع يوما أن نكون خارج أسوارها نحيط أنفسنا بقيود عقلية عقيمة لا تتغير فهي هي نفس الأفكار والمدلولات لا تتغير، فتوزيع التهم بلا أدلة أو تجهيز تهم مسبقة يجعلنا نقع في فخ تخوين كل شيء حولنا يقضي على كل الأفكار الايجابية بيننا.
وفي الختام نقول: إن المؤامرة تعوق كل تقدم فكري وانتشارها في مجتمع يخرجه من خانة دولة إلى خانة المجتمع البدائي وتسلب عنه أي صفة للتحضر أحدهم إرهابي وهذا خائن عميل والآخر متآمر مع كذا أو كذا وأصبحت أفكارا متأصلة ومتلازمة يعاد ترديدها على المسامع آلاف المرات في كل يوم والتصقت بكل أشخاص المجتمع فلنرتق بفكرنا ونحطم أسوارا قد نبنيها حولنا حتى نستطيع أن نميز بحق من لنا ومن علينا بدون تهمة مسبقة وبغير دليل.