بعض المسؤولين أياً كانت مناصبهم يتفنّنون بإنشاء حوائط وأبواب من الحديد وسكرتارية تُجيد فنون التصريف من بداية ولوج المواطن لمكتب المسؤول والذي يتواجد به السكرتير لتعزلهم تلك الحوائط تماماً عن المراجعين وأصحاب الحاجة، ما يزيد من كراهية الناس للجهة والمسؤول وقد يصل الحنق إلى درجة كبيرة، وتلك الجدران المصطنعة تضع المسؤول في معزل بعيداً عن شكاوى وآلام المواطنين، بحجة كثرة انشغالاته واجتماعاته ومسؤولياته؟!
المسؤول مُعيّن من قبل ولي الأمر أو الوزير أو المسؤول الأعلى في دائرته لخدمة الناس ومن ولي أمراً يهم الناس يجب ألا يعزل نفسه وكأنه يتميز عن الغير، فهو وإن كان بيده مسؤوليات تجاه الغير فهو أيضاً يحتاج إلى خدمات الآخرين، فإن تولى أمراً في جهة معينة حتماً هو مواطن مقابل حاجته لجهة أخرى فالأصل إذاً أن كل فرد من أفراد المجتمع هو بالأصل مواطن قبل أن يكون مسؤولا ً وتختلف درجة مسؤوليته حسب المهام التي يتولاها.
إن المسؤول الذي يضع الحواجز بينه وبين الناس لا يستحق أن يجلس على الكرسي وخاصة في الإدارات الخدمية التي تتطلب من المسؤول الإشراف المباشر على موظفيه من خلال تقديم خدمات راقية وسريعة بعيداً عن عبارة «راجعنا بعد أسبوع» أو «عطنا رقم جوالك وسنتصل بك»؟!
لو أن كل مسؤول مخلص قام بزيارة مفاجئة لإحدى الدوائر التابعة له لرأى كثرة المديرين الجالسين خلف الأبواب المغلقة في تلك الدائرة، ولأمر بإزالة هذه الأبواب، لأن المسؤول الحقيقي الذي يخاف الله ويشعر بالأمانة لا يغلق الباب بينه وبين الناس، والمسؤول لا يعزل نفسه عن جمهوره بل يكون جزءاً منهم وجزءا من الحياة الحقيقية التي هي حياة الناس، فيرحب بهم ويسمع منهم ويوجه بتذليل كافة الصعوبات التي تواجههم.
ومن واقع ما نلاحظه في محيط الوزارات والجهات الخدمية فإن قرارات المسؤول تتأثر ومواقف بعض المسؤولين في السلطة التنفيذية وعدد لا بأس به من المقربين منهم والمحيطين بهم وحتى المحسوبين عليهم من أهل الخبرة أو الاستشارة الذين يثق فيهم ذلك المسؤول أو لا يستطيع الخروج من عباءتهم وقد يصل الأمر بطواقم مكاتبهم الإدارية، أياًّ كانت مواقعهم الوظيفية التي يشغلونها إلى تشكيل قوة مؤثرة وفعّالة قد تحقق ما يسعون له من رأي ومشورة، بل وقد تُحقق أهدافهم الشخصية حتى لو كانت في غير صالح العمل، وقد تساهم بشكل أو بآخر في تضليل الحقائق والوقائع في سبيل أن يكون توقيع وقرار المسؤول لصالح حوائج في أنفسهم ومعارفهم وأقربائهم، وبرأيي إنه من المهم أن يكون المسؤول حذراً في بداية عمله عند اختياره لمن حوله من المستشارين والعاملين معه بكل عناية، وأن يحذر من الذين يسعون إلى تقديم «الطُعم» أو النفاق من أجل تمرير مصالحهم الشخصية، عبر تسهيلات مادية من المال العام، ثم السيطرة على قراراته وتوجيهاته.
إن الاختيار الجيد لفريق العمل الذي يعاون المسؤول والتركيز على الكفاءة مسألة مهمة، حيث إن طبيعة العمل الإداري في وقتنا الحالي تتسم بالدقة والتعقيد والاطلاع على كثير من التفاصيل، وكل مسؤول بحاجة إلى من يعينه على الوصول إلى قرارات صائبة تخدم المصلحة العامة وتحقق الأهداف والغايات التي يرمي إليها الجهاز الذي يرأسه وأن أي قرار يتخذه يلزم أن يكون مدروساً بشكل جيد ومحيطاً بجميع التفاصيل، لذلك فإن ثقة المسؤول بفريق العمل الذي يعاونه هي الأساس الذي يُبنى عليه قراره، فكلما كان هذا الفريق صادقاً في عمله حريصاً على المصلحة العامة صادقاً في توفير المعلومات الدقيقة له، كان القرار سليماً ومنسجماً مع المصلحة العامة، بل ومستجيباً لحاجات الجمهور الذي يستفيد من خدمات الجهاز الذي يديره وحتى الموظفين الذين يعملون في ذلك الجهاز عندما يلمسون حرص المسؤول على اختيار من حوله من أهل الثقة والأمانة فإنهم يشعرون بالراحة والاطمئنان على عكس من يحيط نفسه بفريق عمل سيء يحجب عنه المعلومات ويزور الحقائق؟!