تعجبني القصص التي يكون بطلها ربع ريال ويؤكد فيها راوي القصة أن «ذاك أول يوم ربع الريال شيء» ومن منا لم يسمع مثل هذه القصص؟ أما في زمننا فالريال لا يشتري ما كان يُشترى بربع الريال في السابق وهذا أمر طبيعي ولكن ما نراه اليوم من خسف بالريال فهو مؤلم. سعر صرف الريال دوليا معروف وليس هذا مقصدي إلا أنه بالرغم من ذلك يبدو لي أن للريال محليا أكثر من تعرفة أو احتساب للقيمة إن صح التعبير. فمن جانب نجد الموظف والموظفة الذين يستلمون رواتبهم يتوقع منهم العيش بكل راحة على المبالغ التي بالكاد تغطي مصاريفهم في أول عمرهم المهني. بعد عدة سنوات يصلون إلى مفترق طرق قريب فإما يتحسن من بعده وضعهم المالي أو يسلكون طريق الديون التي تتراكم وتزيد مجبورين على ذلك دون أن يروا طريق أمل يخرجهم من هذا المسار المدمر. مقابل هذه الصورة لدور الريال وشحه نرى ميزانيات المشاريع من حولنا التي تكون تكلفتها بعشرات ومئات الملايين من الريالات وتسطر أرقامها عناوين الصحف وبعد تأخر وتعثر وتعذر تجد هذه المشاريع تتطلب الصيانة قبل أن تفتتح. هل يعقل أننا نتكلم عن نفس الريال؟ أحدهم يطلب منه توفير عيش كريم لأسرة ولا يكفي كيفما قلبته والآخر كأنه يسقط في حفرة ما لها آخر والنتيجة غير مرضية.
ميزانيات المشاريع التي توضع تحتسب بأن تكون بأعلى المواصفات من المواد والتنفيذ والتشطيب وبجداول زمنية لا تعطل مصالح الناس التي ترتبط بذلك المشروع إلا أن ما نحصل عليه فعلا في غالب الأمر هو تباين كبير بين ما تم توصيفه والواقع. السؤال المشروع والملح هو دائما «أين تذهب هذه الأموال؟» ومع صدور رؤية السعودية ٢٠٣٠ التي تدعو للشفافية والمحاسبة أصبح هذا السؤال محوريا وأساسيا. فالميزانيات الضخمة التي تعودنا على أرقامها كانت من زمن الطفرة الذي ولى. الآن على الجهات الحكومية أن تدرس كيف يمكن لها أن تزيد من إيراداتها من أجل توفير ميزانيتها فأصبح هاجس الكثير من هذه الوزارات والمؤسسات الحكومية أن تنظر في مصدر إيراداتها وتدرس إمكانية زيادة الرسوم أو خلق فرص جديدة للإيرادات.
ولكن قبل النظر في زيادة الإيرادات أليس من المناسب أيضا أن تعيد النظر في مصروفاتها على المشاريع وغيرها؟ في ظل غياب الشفافية وعدم محاسبة المقصرين وتكرار الأخطاء كيف يمكن تبرير عصر المواطن أكثر مما هو معصور. إن ارتفاع أسعار الخدمات يفترض أن يصاحبه تحسن في الخدمة من حيث الجودة وسرعة التنفيذ ولكن هذا موضوع لم يطرق بعد بالشكل الكافي. هناك أمثلة عديدة من حول العالم يساهم فيها المواطن بجزء من تكلفة التنمية والخدمات على شكل ضرائب ولكن هناك كذلك أمثلة محددة مثل ما يحدث في شيكاجو والكثير غيرها من المدن في الولايات المتحدة مثلا. فهناك برنامج للأرصفة يمكن صاحب المنزل من طلب صيانة رصيف أمام بيته والبلدية لديها عدد من المقاولين الملمين والملتزمين بمعايير التنفيذ المطلوبة والسعر ثابت للمتر. في هذا البرنامج يتحمل صاحب الطلب والبلدية التكلفة مناصفة ويستفيد صاحب الطلب مما دفع أمام بيته ولمصلحته وبالتالي يقدر ما دفع فيه جزءا من ماله ويحافظ عليه. الوضوح في السعر والتأكيد على الجودة وسرعة التنفيذ والشفافية في النظام كلها جعلت الخدمة ناجحة والمستفيد على استعداد للدفع. أما لدينا فالمشاريع تدار مركزيا بمبالغ لا نرى ما يبررها على أرض الواقع نظرا للتأخر ورداءة التنفيذ والمواد في نسبة لا بئس بها من المشاريع. من باب أولى النظر في مراقبة هذه المشاريع والتدقيق في المناقصات والتوصيف والتنفيذ وعدم استلام ما لا يليق بالمعايير الموضوعة.
أما بالنسبة للميزانيات فإن قبولنا المتكرر لميزانيات ضخمة مقابل تنفيذ رديء وبطيء هو إضعاف لقيمة الريال وتأكيد على دوامة إضعافه وتوفير بيئة خصبة للفساد.