يظن كثير من الناس أن جاذبية بعض البلدان أو المدن أو الشواطئ والمناطق الطبيعية، أو أماكن الاستجمام السياحية شيء قدري لا حيلة للإنسان فيه، وإنما وضعته الطبيعة، أو تكوّن مع وجود ذلك المكان واستمر في أعين الناس كذلك إلى أبد الآبدين.
لكن الواقع ليس كذلك، فهناك أماكن عديدة في العالم تفوق غيرها سحراً وجمالاً طبيعياً، وتتميز بهواء نقي، وأفضلية على أماكن أخرى في تكاليف السفر إليها والإقامة فيها، ومع ذلك لا يتوجه إليها إلا قليل من الناس. فالسياحة صناعة متعددة الأوجه، وليست طبيعة ومنشآت إيواء وغذاء، بل تتكون من عوامل تتكامل في بناء الجاذبية للسياح أو الزوار لأغراض متعددة. وكلما برعت البلدان، أو المناطق السياحية والقائمون عليها، في معرفة رغبات السياح، أو الزوار المفترضين، وسعت إلى تحقيقها، أو إيهام السائح والزائر بأنها قادرة على إرضائه، ازداد تهافت الناس على تلك البلدان أو المناطق على وجه الخصوص.
فعندما ينظر المرء إلى المدن العالمية، التي تحظى بنصيب كبير من الزائرين، والقاصدين لأغراض مختلفة على مدى العام، مثل باريس أو برشلونة أو مدريد أو لندن، أو الجزر والشواطئ المشهورة في أوروبا والبحر المتوسط والكاريبي وغيرها، يجد أنها قد تفننت في تقديم خيارات يطمح إليها كثير من الزوار، الذين يحلمون بتحقيق رغبات قوية لديهم، مما توفره تلك المدن أو المواقع السياحية. وربما شكلت كثير منها نقطة جذب لبعض زوارها؛ ليكرروا العودة إليها كل عام، أو مرات كثيرة في حياتهم، كما يصنعون لها سمعة طيبة في بلدانهم، وبين معارفهم الذين يتبادلون معهم الحديث بشأن قضاء الإجازات، والتعرف على بلدان العالم.
وفي منطقتنا العربية يندر اهتمام بلدانها بشؤون تنمية السياحة بصورة مهنية، ويقل اهتمام المسؤولين فيها بدراسة فئات السياح، التي تفد إلى البلاد، وتسهم في إيراداته من السياحة، على وجه مقنع ومعقول. ويصدق هذا الأمر حتى على بعض البلدان، التي تعتمد في جزء كبير من دخلها القومي على مصادر السياحة. وإذا وجد مثل ذلك الاهتمام، فهو من مؤسسات أجنبية، تقوم بالاستثمار في داخل تلك البلدان العربية، وتأتي بالسياح من بلدانها مدفوعة تكاليفهم في تلك البلدان. ومعلوم أن هذا النوع من التنظيم لا ينعش قطاعات السياحة داخلياً، إلا بفتات يأخذه الوسطاء، وبعض أصحاب الوظائف البسيطة.
أما الاستثناء من هذه الحال، فهي إمارة دبي، التي استثمرت جهوداً «تنظيمية وإعلامية» وأموالاً في بناء بنية تحتية للسياحة، لتجعل من هذه الإمارة الصغيرة محط اهتمام كثير من الراغبين في السياحة وزيارة المنطقة العربية. فكانت العوامل الضرورية لتكامل صناعة السياحة؛ من أمن شخصي وعام، وسهولة في التنقل والتعامل مع الجهات المعنية «العامة أو الخاصة»، وتنوع في الخدمات المطلوبة لشرائح كثيرة من السياح. وكان العامل في كل ذلك سرعة التواؤم مع المتغيرات الحادثة في أي شأن من شؤون السياحة، ومتطلبات الناس الوقتية أو التقنية، فأصبحت هذه الإمارة «المدينة» متغيرة باستمرار، فيما يخدم قدرتها على التأقلم مع تلك المتطلبات.
وكان آخر صرعات تفوق دبي على نفسها ما تخطط له حالياً من جعل شواطئها ذكية بامتياز، حيث تسعى بلدية دبي إلى جعل شواطئها متنزهات راقية، ومجهزة بكل مقومات الترفيه، بما فيها مولدات الرياح، وبطاريات شمسية لشحن الهواتف الذكية، وغرف ذكية لخلع الملابس، ومواقع «واي فاي». إذ تخدم هذه الغرف المشفرة فيها من يأتون إلى الشاطئ، ويريدون السباحة، لكنهم يخافون على أغراضهم. لقد أتعبت المنافسين أيتها المدينة المتحفزة دائماً للتحدي!