رغم أن الشيخ عبدالله المنيع، أكد أن ما نسب اليه من حديث عن الحوار مع عقلاء الشيعة كان خاصا به، وليس له علاقة بهيئة كبار العلماء في المملكة، وان الحوار لبيان الاختلاف، وتعزيز التوافقات، الا ان ايران استعجلت الرد لسبب رئيس، فهي لا ترغب أن يكون هناك حوار مع الشيعة الا بإذن منها وتحت رعايتها وهيمنتها، بينما نرى أن الحوار الوطني مع مختلف المكونات السعودية، واجب وطني وديني، ولا تجد الدولة إشكالية فيه، في اطار السياسة العامة.
والحوار مع العقلاء في الوطن، جزء رئيس من متطلبات الادارة السياسية والامنية، وان فتح خطوط الاتصال مع علماء ومراجع ومثقفي «الشيعة» متطلب وطني، ونعتقد بأن الابواب مفتوحة وان هناك مجالات عديدة لتعزيز الوحدة الوطنية والتسامح الداخلي، وان شيعتنا جزء رئيس من نسيجنا الوطني والديني، ولا يمكن التفريط بهم، او جعلهم لقمة سائغة لايران، كي تستغلهم وتجعلهم أداة لتسويق مصالحها ومشاريعها القومية، ولا يمكن النظر اليهم بمفهوم الاقلية فهم الشركاء في الوطن والماء والهواء والكلأ.
الاستعجال بالرد من قبل المرجع ناصر مكارم الشيرازي، وعدم التأكد من صحة الخبر والذي لم يعلن على لسان هيئة كبار العلماء او من خلال الناطق الرسمي باسمها، انما يدلل على خوف ايران الحقيقي من الشيعة العرب، الذين يدركون جيدا الاهداف الايرانية البعيدة في المنطقة، وان العديد منهم بالضد من هذه الهيمنة ويستنكرها، لا بل ويشعر بعضهم ان ايران اساءت للشيعة قبل غيرهم، وبذلك تجد طهران أن ولايتها وسيطرتها على الشيعة باتت محدودة جدا، وانها تتعرض للتراجع والانحدار، في العراق ولبنان ودول الخليج.
ان الحوار في الاطار الوطني، يعد من ديناميات العمل السياسي، والمملكة طيلة تاريخها السياسي، كانت متسامحة وطنيا، وكانت هناك مجالات كبيرة للاستيعاب والصفح السياسي، وهناك تجارب حدثت في الثمانينيات والتسعينيات، توضح ان المملكة ظلت دائما تنظر للجميع كمواطنين تحت رعايتها واهتماماتها وانه ورغم الاختلاف احيانا تبقى الدولة مظلة للجميع، وتظل ابواب الاتصال وقنوات الحوار مفتوحة مع الجميع.
ان من يسعى لفرض هيمنته وتوسعة نطاق سلطاته ليشمل الشيعة العرب نقول له إنه واهم، فنحن نعتز ايما اعتزاز بالمراجع العرب ممن يعتزون بهويتهم الوطنية، وممن كان لهم دور كبير في الدفاع عن اوطانهم، وعدم الارتضاء بالعيش بمفهوم الاقلية والطائفة، والارتماء في أحضان ايران، والخروج من الصندوق المغلق، والتحرك على المستوى الوطني، ويحضرني جدال تم بيني وبين إخوة من العرب الشيعة في منزلهم في جنوب العراق، حول الخمس، وتوزيعه، وكيف أن أحدهم قال إن الخمس يجب أن يكون تحت مظلة الدولة، ولكن تحت إدارة الحوزة، وأن يجمع ويصرف بقانون، وأن تحدد شروطه والقائمون عليه، وأن تكون غايته وطنية، وألا يذهب للخارج، إلا بموافقة الدولة وفي اطار مؤسساتها، فلا يحق لمؤسسة وطنية مهما كانت أن تقوم بواجبات الدولة الخارجية دون موافقة رسمية.
وتطرق الحديث للعلاقات الاجتماعية بين الشيعة والسنة، فقالوا لي اننا متعايشون منذ سنوات طويلة كعرب ومسلمين وعراقيين، وأن لا خلاف بيننا، وأننا نلتقي في الاطار الوطني، وفي الاطار الاجتماعي والثقافي والمهني، وفي اطار مجموعة العادات والتقاليد العربية، وفي الشعر والفن والابداع والموسيقا، وان من يعمل على تجزئة المجتمع العراقي، هو من له مصلحة خاصة في اضعاف العراق وتقسيمه، واضافوا ان الكثير من العوائل مشتركة بين السنة والشيعة، وهناك كثير من حالات صلة القربى والزواج بين الطرفين، وان المرجع الشيعي محمد صادق الصدر (يرحمه الله) أفتى بفتوى جامعة ما بين السنة والشيعة حيث اباح المرجع الصدر أن المساجد والجوامع هي بيوت لله وللمسلمين، وانه لا يمانع من ان يصلي الشيعي في مساجد السنة والسني في مساجد الشيعة، وان يتم كسر التصورات السلبية التي تم حقن الطرفين بها ضد الآخر، وهذه الفتوى باعتقادي هي من قتل المرجع محمد صادق الصدر.
ان الاغراق في التفسيرات الضيقة يؤسس للاختلافات، وإن أخذ الامور على مقتضياتها ومقاصدها العامة، هو أفضل بكثير كون الاغراق مجلبة للاختلافات، خاصة تخالط السياسي بالديني، حيث إن تسييس الدين، جعله فرقا ووجهات نظر قابلة للتوافق والتصديق والرفض والاختلاف، ولطالما كان الدين ضابطا عاما لمنظومة الاخلاق والاجراءات ولطالما عرفنا معنى التيسير، والسعة، التي لا تخل بالثوابت، فاننا في حالة من الاستقرار، التي علينا ان نعرف معناها واهميتها، ولعل حلقة سيلفي القصبي، أرادت التنبيه إلى أن الشباب اليوم تجاوز بعض التعقيدات السابقة، ليس تجاوزا عن الدين، وانما عن التسييس الديني، وتعظيم الفوارق والاختلافات حتى داخل الوطن، وفرض وجود واسطة ما بين العبد وربه، فالاسلام ليس فيه كهنوتية.
ان مفهوم الدولة الحديث، يؤكد ان مهمة الدولة ضبط الاختلافات الداخلية، وايجاد اجرءات مرورية للجميع، وتنظيم الاختلافات، وأن المؤسسات للجميع بلا استثناء، وان المؤسسات الحيوية هي مؤسسات وطنية للجميع، وان على المواطن ان يمارس شعوره بالانتماء من خلال دفاعه عنها، ورفضه للمساس بها، وبالامن العام، وان الاخلال بها، يستوجب الانكار اجتماعيا، ودعم جهد الدولة في الحفاظ على الامن والاستقرار، وتبدأ مواطنة الانسان، من منزله، من حفاظه على البيئة، من علاقته بجواره، من كف الاذى عن الطريق، من استخدامه لوسائل اتصاله ومواصلاته بشكل لا يؤدي الناس، وان الممارسة والسلوك الحضاري لا تعني الضعف، بقدر ما تعني الوعي والقيمة العليا.
إن الصراعات على الموارد والتنافسات على الادوار، جعلت ثمة دولا تستغل الدين كأداة توسع، وبعضها يستغل حقوق الانسان والحريات، كأداة تدخل، ولكن علينا ان نرى حال العراق الذي رغبت امريكا في تحريره وجعله ديمقراطيا، كيف أصبح بلدا للفوضى والقتل وانعدام الامن والاستقرار، وكيف نهبت ثروات العراق من إيران وأمريكا، واسرائيل التي تتحصل على 60 مليارا سنويا من عائدات النفط العراقي الذي يباع لها بـ 25 دولارا، وكيف ان ايران باسم الدين، سرقت ما يعادل 600 مليار دولار من أموال العراق، وخمس الثروة النفطية في جنوب العراق، وفرضت عليه تجارة تتجاوز 20 مليارا سنويا، وكيف ان قوانين بريمر التي وافق عليها العراق الديمقراطي الجديد، تمنع الاستنبات الزراعي، وتمنع صناعة الحبوب، وجميع الصناعات الحيوية، وبملاحق وقعت مع الدستور العتيد.
علينا دائما ان نتجاوز عن الخلافات الصغيرة والسطحية التي يشغلوننا ويستنزفوننا بها، والتي تجعل كل واحد فينا يكره مخالفه، ويقتل الاخ أخاه، ويحولوننا من كائنات بشرية، الى كائنات حيوانية شريرة، مهمتها التدمير، فقد ذكر لي خبير الماني ذات لقاء قائلا ان العالم الاسلامي كتب عليه ان تكون مراجله دائمة الغليان، كلما هدأت زادوها اشتعالا، واضاف ان هذا العالم لا يستطيع التفكير الاستراتيجي ومراجله تغلي، وهو منجذب نحو الادنى دائما بقوة التحكم الخارجي، ولذلك علينا الا نعطيهم الفرصة لان نخرب بيوتنا بأيدينا.