بلغ عدد المبتعثين السعوديين ببرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي أكثر من ١٥٠ ألف مبتعث ومبتعثة، منذ انطلاقة البرنامج قبل ١٠ سنوات تقريباً، وقد تخرّج منهم أكثر من ٥٠ ألفا، وتحصلت الولايات المتحدة الأمريكية على نصيب الأسد من تلك الأعداد، حيث إن نصف أعداد المبتعثين والمبتعثات يدرسون بها، وتعتبر تلك الأرقام قياسية على مستوى العالم، حيث تعتبر المملكة من أكثر دول العالم إرسالاً لطلابها وطالباتها للدراسة بالخارج على نفقتها، وللعلم الابتعاث موجود بالمملكة منذ قديم الأزل وبالتحديد قبل ٩٠ عاماً، ولكن كان بشكل محدود وبسيط للغاية، وَممَّا لا شك فيه أن للابتعاث فوائد جمّة فهو يكسب أبناءنا وبناتنا تحصيلا علميا مميزا يشكل إضافة نوعية غير اعتيادية لسوق العمل لدينا، وصقلا للشخصية واكتساب مهارات حياتية كثيرة نتيجة الغربة والبعد عن العائلة والاضطرار للعيش باستقلالية تامة، بغض النظر عن بعض السلوكيات السلبية التي يكتسبها بعض المبتعثين والمبتعثات من تلك المجتمعات.
أغلب هؤلاء المبتعثين والمبتعثات لديهم سقف توقعات فيما يتعلق بحياتهم المهنية، يغرّد خارج السرب وبعيدا كل البعد عن واقع سوق العمل السعودي، وقد ألتمس العذر لهم كونهم بذلوا جهوداً حثيثة ليتفوقوا ويتحصلوا على تلك المؤهلات العلمية، إضافة إلى نمط المعيشة في تلك الدول، والذي عزز لدى المبتعثين والمبتعثات صورة ذهنية بأنهم سيتلقفون عروض العمل والفرص الوظيفية في صالات المطارات عند وصولهم، لذا وجب على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ووزارة التعليم العمل سوياً لوضع برنامج تأهيلي لكل مبتعث ومبتعثة يبدأ عند تخرجهم ووصولهم للديار سالمين، ويتم في هذا البرنامج «وضعهم على الأرض قليلاً»، وتهيئتهم لسوق العمل المحلي بمعطياته الحالية والمستقبلية وكذلك القيمة السوقية لكل منهم، كما يجب أن يسبق هذا البرنامج برنامج آخر لا يقل أهمية عنه وهو التنسيق لإيجاد فرص عمل للمبتعثين وللمبتعثات بوقت قياسي، وبناء على الجدوى من ابتعاثهم والموافقة على تخصصاتهم، ولأن الدولة استثمرت في كل مبتعث ومبتعثة ملايين الريالات لذا وجب الحرص كل الحرص على جني ثمار تلك الاستثمارات.
وبالنهاية لا يجب اعتبار هذا الأمر اقتصادياً فحسب، بل اجتماعياً وأمنياً أيضاً بل إن عدم تهيئة هؤلاء المبتعثين والمبتعثات وعدم توفير فرص العمل المناسبة لهم يُعتبر تهميشاً لهم وقد يؤدي إلى تدمير الكثير منهم مما قد يخلق لنا اشكاليات نحن في غنى عنها خاصة في الوقت الحالي، كون أغلب هؤلاء المبتعثين والمبتعثات اعتادوا على سقف من الحرية لا يمكننا النظر إليه وأساليب للتعبير عن الرأي قد لا تعجبنا.
الخلاصة: عدم التخطيط لتوظيف المبتعثين والمبتعثات يعتبر من أوجه هدر المال العام
دمتم بخير.