الاعاقة ليست سببا رئيسا للخمول والتواكل وعالة الفرد على أسرته ومجتمعه، فمعظم المعاقين نبغوا في مسارات علمية وأدبية وفنية عديدة قد لا يسعني المجال هنا لذكر أسمائهم وتفاصيل مواهبهم ونبوغهم، وثمة مفكرون وعلماء لم تمنعهم الاعاقة من بلوغ ذروة الشهرة والمجد والمال، وقد بزوا بذلك الأسوياء من البشر، وهذه حقيقة واقعة يلمسها الجميع ويتعايشون ويعيشون معها.
ومن تلك المواهب من ذوي الاحتياجات الطفل أسامة محمد عبدالرحمن المبارك، ويبلغ من العمر أحد عشر عاما، وقد حصل هذا الطفل على جائزة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القرآن الكريم للأطفال المعاقين، ولم يخف صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية مشاعره أثناء تكريم هذا الطفل الموهوب وهو مصاب بـ «متلازمة داون»، ولم يمنعه ذلك من الحصول على تلك الجائزة.
هو طفل متميز كرمه سمو أمير المنطقة الشرقية في حفل تكريم الدفعة السابعة والعشرين من طلاب جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة، وجدير بالذكر أن هذا الطالب الموهوب كرم على يد سموه للمرة الأولى في العام المنفرط، كأحد المتفوقين وحصل على جائزة حفظ القرآن الكريم كاملا، رغم حالته الصحية واعاقته، بما يدل على أن الاعاقة في حد ذاتها لا تمثل عائقا أمام نبوغ الانسان وبراعته وتقدمه في شتى ضروب العلم والمعرفة.
تشجيع سمو أمير المنطقة الشرقية لهذا الطالب الموهوب للمرة الثانية يدل على رعايته واهتمامه بالمتفوقين والمبدعين، وقد انعكس هذا الاهتمام على نفسية الطالب، فتعهد باستمراره في التفوق ومواصلة مسيرته التعليمية، ودعم هذه الفئة من فئات المجتمع وتشجيعها له مردودات ايجابية فاعلة، واهتمام سموه بهذه الفئة من ذوي الاحتياجات يمثل رسالة واضحة بأهمية اندماج ذوي الاعاقة في مجتمعهم وعدم وضع أي حاجز يمنعهم من الابداع والتفوق.
تلك الفئة الغالية هي جزء من مجتمعنا السعودي الناهض، ولا بد من رعاية أفرادها وتشجيعهم على ممارسة أنشطتهم وهواياتهم، وقد سبق لسمو أمير المنطقة الشرقية التأكيد على أهمية العناية بهذه الفئة في كثير من مجالسه الأسبوعية «الاثنينية» بالامارة، وقد سبق لسموه استضافة أصحاب الاعاقة الحركية وأعضاء نادي وجمعية الصم بالمنطقة، وأكد على أهمية تلك الرسالة داخل مجتمعنا السعودي.
وليس هناك عذر وجيه لأي مسؤول في الدولة يحول دون التعامل مع ذوي الاعاقة، بعد أن أثبتوا تواجدهم وحضورهم الملفت للنظر في عدة مجالات وميادين منتجة، والطفل أسامة دليل واضح على النبوغ والتفوق، فحفظ القرآن الكريم في سنه المبكرة يدل بوضوح على نبوغه وموهبته.
تشجيع ذوي الاحتياجات أمر مهم للغاية، فتنمية المهارات في نفوسهم ومواصلة تشجيعهم على ممارسة هواياتهم أسلوبان مهمان لتفوقهم ونبوغهم، وكما أسلفت في ديباجة هذه العجالة، فإن كبار المفكرين والأدباء والفنانين والمقرئين للقرآن أيضا وعلى رأسهم على سبيل المثال لا الحصر شيخ المقرئين محمد رفعت برزوا واشتهروا وبزوا أقرانهم الأسوياء رغم اعاقتهم.
كثير من الأدباء والمفكرين والفنانين في كثير من أصقاع العالم عانوا من الاعاقات، ولكنها لم تمنعهم بأي حال من الأحوال من استمرارهم في العطاء بعد تفوقهم في المجالات التي مارسوها، فدول الشرق والغرب مليئة بنماذج عديدة من هؤلاء الذين خدموا مجتمعاتهم وأمتهم بعطاءاتهم الثرية والمتميزة في المسارات التي نبغوا فيها، وقدموا من الخدمات الجليلة ما لم يتمكن الأسوياء من تقديمه.