سنوات عديدة مرت منذ تولت وزارة العمل ملف التوطين واحتفلت في مناسات عديدة برفع نسب السعوديين عدة سنوات قبل أن تبدأ النسب في التراجع كما توقع كثير من المتابعين لهذا الملف، فهل سيتغير الحال ونحن نستقبل رؤية وطنية للتحول الوطني تعتمد في إحدى ركائزها على تجاوز تحديات البطالة بالرهان على تحفيز الاقتصاد ليكون قادرًا على توليد الفرص؟
هذا التوجه الوطني الهام لا يمكن تحقيقه ما لم تتقدم المملكة في مجال إدارة المعرفة والتي كما تشير دراسات علمية نُشرت مؤخرًا في مجلات محكمة أنها لم تتناسب مع الموارد التي جناها الاقتصاد السعودي خلال سنوات طويلة كان فيها ولا يزال يعتمد على النفط.
بالرغم من أهمية إدارة المعرفة ونقل المعرفة في تشكيل أي تحول اقتصادي أو علمي أو تقني حول العالم بدءًا باليابان ثم بالنمور الآسيوية مرورًا بالتجربة الماليزية وصولًا إلى الانطلاقة الصينية وغيرها من الحضارات كانت قد خططت بعناية لتحقيق طفرة في مجالات معينة من خلال إدارة للمعرفة.
فإذا استثنينا برامج الابتعاث التي ظهرت على طريقة الطفرة ثم بدأت تنحسر بعيدًا عن وجود هوية واضحة لمخرجاتها أو لنقل معرفتها، فإن وزارة العمل لم تنتبه لأهمية التخطيط لتوطين المعرفة بقدر ما اهتمت برفع أرقام السعودة للتدليل الكمي على إنجازها، ما أدى إلى معاناة كبيرة في القطاع الخاص من تكدس السعوديين في وظائف هامشية.
إحدى الدراسات التي اطلعت عليها نشرت في مجلة Journal of Documentation أجرتها كل من سوزان الدليمي ولين روبينسون انتهت إلى ان القطاع الخاص السعودي يعاني مشكلة الضعف في إدارة المعرفة داخل الشركات موصية بأهمية إيجاد حلول لهذه الحالة المختلفة عمّا يحدث في الدول المتقدمة.
إحدى النقاط التي رصدتها الدراسة -والتي اعتمدت في تفسير بياناتها على دراسات كمية وكيفية أخرى لتفسير نتائجها التي اعتمدت المنهج الاستقصائي- هي اعتماد القطاع الخاص السعودي في الوظائف التقنية على غير السعوديين. وللأسف فإن برنامج نطاقات وأخواتها عززت هذا التوجه بالضغط على سعودة العدد في المدى القصير.
الدراسة حاولت إيجاد تفسيرات طُرحت في الدول العربية لبعض الملاحظات المشتركة منها مثلا مشكلات ثقافية أو اجتماعية منها كالميل لعدم الثقة والانفتاح على الآخر مما يقلل من المبادرة لنقل المعرفة، أو الميل لتعاطي المعرفة شفويا، وهي سمة تقتصر وفقا لعدة دراسات على الدول غير المتقدمة.
هذه الحالة أشارت إليها دراسات أخرى منها دراسة حول إدارة المعرفة في قطاع البنوك السعودية، ودراسة أخرى حول ثقافة عدم دعم نظام إبداعي لتوليد المعرفة في السعودية، لكنها أشارت إلى توافق في نتائج أكثر من دراسة حول إمكانية أن تكون هذه الثقافة التي تمنع نقل المعرفة بسبب العمالة الأجنية.
على أي حال فإن وجود الموظف السعودي في مواقع هامشية أو عدم إحساسه بقيمة الدور الذي يقوم به لا تساعد على انتشار المعرفة، كما أن استمرارية التركيز على الكم على حساب الكيف لا يمكن أن يصل إلى نتيجة، في حين أن الدراسات تشير إلى أن أسلوب تدوير المعرفة في السعودية لا يزال يعتمد على الطريقة الفردية بعيدا عن التنظيم المؤسسي لنقل المعرفة.
أخيرا أتمنى من وزارة العمل والجهات القائمة على التخطيط الوطني للموارد البشرية أن تتواصل مع شركة الطاقة السعودية (أرامكو) للاستفادة من خبراتها باعتبارها نموذجا سعوديا ناجحا في تصميم برامج توطين واقعية وطموحة بما يتفق مع مصلحة الشركة والموظف بجانب تنظيمها لإدارة المعرفة على نطاق مكنها من التحول من شركة غير سعودية إلى شركة تعتمد إلى حد جيد على كوادر سعودية في مختلف أقسامها.