سعدت قبل شهرين برفقة أحد الزملاء، بلقاء سعادة مدير الإدارة العامة للمرور بالمملكة، الذي قابَلَنَا بأريحية المسؤول، وأثنى على مبادرتنا، التي رأى فيها روح المشاركة المسؤولة، كان اللقاء من باب التواصل والتكامل مع المسؤول، لإيماننا بأن الشراكة الإيجابية بيننا وبينه، هي أنجع طريقة للوصول لنتائج عملية، بدلاً من الأسلوب التصادمي بنقد المسؤول والتشهير بأخطائه، وبما أن المواطن رجل الأمن الأول، كما كان يردد «النايف» رحمه الله، فقد حملنا لسعادته الملف المروري لمحافظة بيشة المثقل بالمتناقضات، كان بين دفتيه إحصائيات وتقارير ووقائع مثبتة، ومن أجل التغير المتوقع والمنتظر، فقد ساهمنا بتضمين ملفِّنا بعض المقترحات والحلول من وجهة نظرنا، لعلنا نتكاتف جميعا لإيقاف نزيف الدماء، في شوارع محافظةٍ تفقد شهريا من أبنائها، بين «3» الى «4» بالإضافة لعشرات الإصابات، جراء حرب يقودها ارهابيو السيارات، مما يتطلب تدخلا سريعا لإنقاذ الأرواح، من عبث المتهورين والمخالفين لأنظمة المرور!!
كانت أجواء اللقاء مريحة والمجال مفتوحا، لنضع على مكتب سعادته وبكل شفافية، مشكلة ضعف الخدمات المرورية المقدمة للمواطن، وأبدينا أسفنا لعدم ترقية تصنيف مرور المحافظة، الذي ما زال تحت مسمى «شعبة»، وهو ما لا يتناسب مع محافظة من فئة «أ»، لنطرح بعدها تساؤلا بديهياً، جوابه هو المفتاح لحل المشكلة المرورية، فالشعبة الوحيدة كيف لها، أن تدير بكفاءة العملية المرورية، في مساحة إدارية شاسعة، تبلغ «63000 كم2»، ويتحرك على سطحها حوالي «230» ألف مواطن، بالإضافة لـتغطيتها المرورية لـ «90 كم» من طريق بيشة الرين؟ هذا الحجم الجغرافي والسكاني الهائل، لم يشفع لمرور محافظة بيشة، عند الإدارة الأم بمنطقة عسير، بترقية تصنيفها «لإدارة مرور»، وللأسف هذه «الشعبة» ما زالت تعاني الوصاية عليها، فلم تكن إدارة مرور عسير عادلة، في توزيع الأفراد والمركبات بين المحافظات، فتخيلوا محافظة بحجم محافظة بيشة، لا يوجد بها سوى «4 دوريات» مرور، وأفرادها في تناقص مستمر دون دعم، حتى وصل العدد دون الحد الأدنى نظاماً، وهذا النقص الكبير في القوة البشرية والآليات، كان سببا مباشراً في الانفلات المروري، وعدم سيطرة مرور بيشة على الوضع، فإشارات المرور المخترعة لحفظ سلامة الإنسان وتنظيم حركة المرور، القليل يعترف بوجودها، فغياب الرقيب الذاتي، تزامن مع غياب الرقيب المروري، مما جعل المحافظة تعيش فوضى مرورية غير مسبوقة!!
ما تحدثت عنه آنفاً هو نموذج مصغر لمشاكل مرورية موجودة في أكثر محافظات المملكة، ونتفق على أن النقص في القوة البشرية والالية، هو من معوقات العمل، ويؤثر على كفاءة الأداء لأي إدارة مرور، تتحفز لتقديم خدمة مرورية ترتقي لرضا المواطن، وفي المقابل لا نتفق مع أي إدارة مرور، تتخذ نقص الأفراد والإمكانيات، ذريعة لتترك «الدرعا ترعى» في المحافظة، فكل إدارة مرور تستطيع أن تعمل وتنجز بالحد الأدنى، ضمن حدود نطاق قدراتها وما يتوافر لها من إمكانيات، ولا يلام المرء بعد اجتهاد، والحقيقة ما كان لهذا النقص ليحصل، لولا وجود تباطؤ من القائمين على إدارات المرور، بالرفع الرسمي للجهات العليا بالاحتياجات وتوفير النواقص!!
غياب المعلومة الصحيحة من مصدرها، يحول دون التطوير ومعوق لاتخاذ المسؤول القرار السليم، لذلك حاجته ماسة، لطرف محايد يتلقى منه المعلومة المجردة، وهذا الدور مناط بالمواطن، الذي تفرض عليه مواطنته نقل ما يراه من قصور وإهمال للمسؤول، وهذا ما جسدناه واقعا عمليا، بنقلنا معلومات دقيقة وموثقة، كانت مستغربة وصادمة للمسؤولين بإدارة المرور العام، مما يؤكد أن هناك تغيبا للمسؤول، عن حقيقة ما يجري في الميدان المروري، من خلال تقارير «كله تمام يا افندم»!!