في إيران مراكز قوى متعددة، تتصارع فيما بينها تحت الطاولة، لكنها تتفق على التعاون مع بعضها حماية لمصالحها، لأنها تدرك أن خسارة أي طرف أو انتصاره سيعني بالنتيجة انكشاف غطاء السلط المتعددة في موضع ما أمام الشعب الذي يظل هو آخر ما تفكر فيه القيادة، فالمرشد، وقاسم سليماني، وجعفري، وروحاني، وعلي لاريجاني وغيرهم، هم في الإطار العام أركان سلطة واحدة، وهم كذلك بالفعل في المشهد العام، لكن في واقع الأمر هنالك حسابات دقيقة بين مراكز القوى هذه فيما يتصل باتخاذ القرار الذي يلزم أن يتم بالمقايضة أو بتقاسم الأرباح والمصالح، فلا وزير الخارجية يستطيع أن يتحدث باسم المرشد، ولا الرئيس يستطيع أن يتبنى موقفا لا يوافق عليه قائد الحرس الثوري، وهذه المعادلة في السلطة الإيرانية فتحت الباب واسعا أمام كل المتنفذين في طهران للعمل كل وفق رؤاه وخططه وبرامجه التي لابد وأن يوافق عليها البقية، والذين سيحتاجون إلى موافقة صاحبها فيما بعد لتمرير مشاريعهم، وهو الأمر الذي جعل إيران حاضرة في كل مكان، وفي كل زمان، وهو حضور غير مشرف بالتأكيد، لأنه لا يقوم إلا على العبث بأمن الآخرين، واللعب على أوتار الطائفية والحزبية والمذهبية، وتسويق الأوهام، حتى وصلت مكائد قادتها إلى العمق الأفريقي في أبشع استغلال لحاجة بعض الفئات الفقيرة، لتنصّب عليهم بعض حلفائها ممن اشترتهم بالتومان لتجعلهم رأس حربة لأهدافها في الانجرار وراء وهْم الامبراطورية الصفوية العظمى، والاقتصاص من كل ماهو عربي؛ لضغائن تاريخية.
وحين نقول إن مراكز القوى هي من يقود إيران، ويسجل لها هذا الحضور العبثي الطاغي، فإنما ننطلق من عدة اعتبارات، أولاها أن كل طرف له استراتيجيته الخاصة وإن كانت كلها تتفق على مدّ وبسط النفوذ الإيراني على أكبر رقعة ممكنة، بدليل أن المرشد له مندوب مستقل في العراق وفي سوريا وفي لبنان وربما في اليمن، وكذلك قائد الحرس الثوري له مندوبه الخاص في نفس المواقع، وكذلك الحال بالنسبة لكل مراكز السلطة، بحيث ان السفير الإيراني في تلك البلدان لا يمثل ما هو أكثر من الشكل البروتوكولي فقط، لإخفاء تلك الأنياب والأظافر التي تعبث بأمن المنطقة، وتسعى بكل ما أوتيت من خبث لبث الفرقة بين أبناء البلد الواحد، كما يحدث برعاية ساسة إيران في العراق وسوريا ولبنان عيانا بيانا، حيث يستخدم الولي الفقيه لعبة الطائفية لتنفيذ برامجه، فيما يوظف سليماني وجعفري تجارة المخدرات لدعم الميليشيات التي تقاتل تحت لوائهما، والذي كشف عنه النقاب مؤخرا من خلال صلة حزب الله بتجار المخدرات في أمريكا اللاتينية، بعد أن حوصرت أمواله في إطار محاربة الإرهاب، ولكن هذا العبث والذي طالما لبس طاقية الاخفاء المذهبية لن يكتب له الاستمرار لأنه يقوم على الكيدية وضرب مكونات الشعوب ببعضها، وهو ما بدأت تستوعبه أحزاب شيعية عراقية كانت إلى ما قبل أيام تدين بالولاء لإيران، حيث اقتحمت مؤخرا المنطقة الخضراء وهي تهتف: «إيران برا برّا... بغداد حرة حرة».