أكثر ما يمكن أن نخشاه هو أن تدخل عمليات وبرامج التوظيف نفس المسار الذي دخلته المساكن، حيث نرى تصريحات كثيفة وحديثا متكررا عن مشروعات طموحة ثم تأتي الحصيلة بعد ذلك متواضعة وغير متناسبة مع احتياجات الواقع، في وقت يمر فيه الزمن ولا ينتظر تنفيذ مشروع أو برامج خاصة فيما يتعلق بقضية البطالة وتوفير الوظائف، فالسكن بالإيجار قد يكتوي قليلا بانتظار الفرج ولكن الباحث عن وظيفة إنما يبحث عن مصدر رزق يعتاش منه وينفق على متطلباته واحتياجاته بما فيها المسكن الذي يؤجره.
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أعلنت مؤخرا إطلاق استراتيجية وطنية لعمل المرأة عن بعد خلال شهرين تستهدف توفير أكثر من 50 ألف وظيفة خلال عامين، وذلك جميل وطموح، ولكن ماذا حدث بشأن المشاريع والبرامج السابقة؟ فحسب علمنا أنها لم توفر العدد الكافي والمطلوب من الوظائف وظلت طوال السنوات الماضية الفجوة بين العرض والطلب الوظيفي متسعة وعصيّة على الردم، وحين نقرأ عن استراتيجيات فإننا في الواقع لا نطمئن كثيرا لأنها تبدو كما لو أنها تكتب على الرمال.
من حيث المبدأ ومن خلال تعطّل كثيرات بينهن الخريجات الجامعيات فإن 50 ألف وظيفة قليلة، لأننا نتحدث عن استراتيجية ينبغي أن تكون أكثر اتساعا كأن يكون الرقم 500 ألف، مثلا، وفي نهايتها نحصل على 100 ألف فذلك يعتبر إنجازا، أما أن يكون السقف عند رقم قليل يتحقق معه نصفه فإن ذلك لا يمكن أن يكون منجزا وإنما هو إهدار للوقت، والسؤال هل استراتيجية العمل مواكبة لرؤية 2030؟ ذلك مهم لأن التوطين عملية واسعة وشاملة ينبغي أن تكون ذات جدوى أكبر بحيث تنتظم جميع القطاعات وتسهم في تحقيقها بصورة علمية وعملية تنتهي الى وطن طموح بحسب المحور الثالث من الرؤية.
لم يعد متاحا إطلاق رؤى صغيرة وأفكار لا تتوافق الى حد كبير مع الواقع ورؤية المستقبل، ولذلك يجب أن تكون الأرقام كبيرة، لأنه إذا كانت الوزارة ستبذل جهدها من أجل توفير 50 ألف وظيفة فقط فذلك هو جهد المقل ويمكن أن تقوم به مؤسسات القطاع الخاص لو أطلقته غرفة تجارية صغيرة لحققت أكثر من هذا الرقم، لذلك من المهم أن تنطلق الوزارات والمؤسسات بطموحات أكبر يتبعها جهد حقيقي لتنفيذ الاستراتيجيات والخطط التي ينبغي أن تعمل بجداول زمنية في تحقيق الأهداف ومعرفة أي معوقات بصورة علمية يتم التعامل معها بنفس النهج العلمي حتى لا تتعثر البرامج وتصبح الخطط موضوعا للبيروقراطية والنسيان، فهناك الكثير الذي لم ينجز فيما يتعلق بتوطين الوظائف وبرنامج السعودة رغم النمو التراكمي للباحثين عن وظائف وفرص عمل في جميع القطاعات، ويمكن أن يتم التنسيق الى جانب ذلك للعمل في مشاريع ريادة الأعمال والانتاج الاستثماري بمزيد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تقلل من أعداد العاطلين وتدخلهم في الدورة الاقتصادية كعاملين ومنتجين وأصحاب أعمال، وذلك في الأساس جزء أصيل من برنامج التوطين الوطني الذي يدعم كل الفرص الاستثمارية التي ترتقي بخبرات الموارد البشرية وتطورها وتقفز بها الى ما هو أفضل من وظيفة.