كنت متابعا لمواقف العلامة السيد محمود الصرخي، وبخاصة مواقفه الوطنية، ورفضه اللعبة الطائفية، والتوظيف والاستخدام الايراني، وظل الرجل موقنا بأن سبب الخراب في العراق هم: ايران والميليشيات، وتجار الحروب ومافيا السلاح والنفط، والبشر، عاثوا في العراق فسادا، ليقتل الأخ أخاه، ويكفي أن ترفع راية ليغيب العقل وتحل مكانها الغريزة، لنصبح أدوات نتقاتل، بينما تعقد ايران وأمريكا واسرائيل الصفقات والتفاهمات.
السيد الوطني، صاغ مشروع خلاص للعراق، قال فيه: لا خلاص للعراق دون خروج ايران، وانهاء العملية السياسية القائمة على الطائفية، وقال: إن (الناس جربت غدر إيران وميليشياتها فكيف تثق الناس المجردة التي لا حول لها ولا قوة فيها).
وأضاف سماحة السيد: (إن إيران منذ عشرات السنين تماطل وتستخف وتضحك على المجتمع الدولي، مؤكدا أن أمريكا والمجتمع الدولي في تقلبات مستمرة حتى أنهم صاروا مستعدين أو متفقين على أن يعيدوا لإيران دور الشرطي في المنطقة، فإذا لم تخرج إيران من اللعبة فلا حل لمعضلة العراق والأمور ستسير من سيئ إلى أسوأ).
قبل شهر ونصف الشهر كنت على اتصال مع مكتبه الإعلامي، مع الشيخ طالب الشمري، وهو شخصية وطنية عراقية دمثة، واشار الى ان الميليشيات وايران وأدواتها هم المشكلة في العراق، واننا كعراقيين قادرون على حل مشكلاتنا، والمكتب الإعلامي لسماحة السيد نشيط جدا رغم الحصار، ورغم أعمال القتل التي يشهدها القطاع الصحفي في العراق، حتى امتدت يد الغدر لاطفال الصحفيين والمثقفين ورمي جثثهم في حاويات القمامة، في حالة ترد أخلاقي وقيمي غير مسبوقة.
السيد الصرخي القابض على جمر العراق الوطن والهوية، وجه نداء وتحذيرا للدول والمجتمعات العربية قال فيه: (احذروا الفتن احذروا الفتن احذروا قوى التكفير المتلبسة باسم الدين والمذهب والطائفة كذب وزور، احذروا منهج التكفير القاتل مدعي التسنن، واحذروا منهج التكفير الفاسد مدعي التشيع، احذروا الإمبراطوريات وقوى الاحتلال التي تؤسس وتؤجج تلك الفتن، وعلى الجميع الوقوف في وجه هذه الأمواج الفكرية المنحرفة الدخيلة على الإسلام والمشوهة لصورة الإسلام ومبادئه وأخلاقياته).
تحذيرات الصرخي دور ايران فيها واضح وفهم دقيق لما يجري في المنطقة، التي ساهمت فيه دول مثل ايران بتسعير الطائفية واستخدامها وتوظيفها لمصالحها، وهي أبعد ما تكون عن الاهتمام أو احترام أي عربي مهما كانت طائفته، وان القتل والتفجيرات التي تتم في كل مكان تقف خلفها ايران اليوم، فتنظيم داعش الارهابي بمنطقه التكفيري جاء ليخدم بشار الاسد، للتركيز على الارهاب بدلا من نظامه الفاشي.
وجاء ليخدم ايران، لتعطي انطباعا وتصورا بأن داعش تمثل السنة العرب، وتمثل السلفية، وأنه للخلاص من داعش يجب التخلص من الفكر السلفي، وممارسة الضغوط على المملكة.
علينا أن نفيق، وألا ندس رؤوسنا في الرمال، ألا تقتلنا الطائفية، وألا تنعدم لدينا الرؤية، فالنظرة الموتورة للاشياء تعطي انطباعات غير دقيقة أو غير صائبة، وأن علينا أن نرتقي الى العيش الوطني والتسامح وألا نفتح الابواب للتدخل الخارجي.
فايران اليوم تقاتل في سوريا واليمن ولبنان، دون خسائر بشرية، فهناك العديد ممن هم على استعداد للموت في لعبة الدم والقتل والتدمير، وللأسف هناك من يربط ذلك بفداء الحسين «رضي الله عنه» والحسين براء مما يزعمون، فداء للسيد، وكأن عقولنا أصبحت نهبا لأصحاب الأجندات والمشاريع المدمرة والقاتلة.
السيد والمرجع الصرخي يستقبل الوطنيين العراقيين من مختلف محافظات العراق، فقط لانه حالة وطنية، لانه متفهم لمعنى الإسلام الحقيقي.
فالإسلام عندما يصبح طائفيا يفقد روحه وحضوره ويصبح أداة للتوظيف والاستخدام، على العكس من رسالته السمحة، التي كانت رحمة للعالمين، دون تمييز، فكيف يكون الإسلام في بلد التنوع مثل العراق الذي مرت خلاله حضارات عديدة واستوطن البعض واندمج فيه.
ولو نظرنا بعيدا عن التعبئة الطائفية، لوجدنا كيف ان مسيحيي العراق رفضوا كل الدعم الدولي فقط للخروج النهائي من العراق، وكان انتماؤهم لوطنهم فوق كل الاعتبارات. من يشاهد يهود العراق كيف يحيوون احتفالاتهم بوطنهم العراق، وحديثهم عن العراق، يجد أن الهوية الوطنية العراقية فوق هذه الخلافات والاختلافات.
إن القتل والتغيير الديمغرافي الجاري في العراق لا يقره العقلاء من السنة والشيعة، ومن يحاول أو يجادل في وطنية وهوية أهلنا في جنوب العراق، نقول له: إننا نعرفهم جيدا وانهم عشائر عربية حرة، وانهم ظلموا بخضوعهم لايران، اضطرارا وتحت سطوة الميليشيات الفاسدة، وان فرق الموت لا تمثلهم.
وقد ظلت عشائر جنوب العراق ملفى للضيفان والبيوت المشرعة ابوابها، وظلت العمارة والحلة والنجف منارات للثقافة والعلم والشعر والغناء والطرب.
وسيبقى أهلنا في العراق على هويتهم ومعدنهم الأصيل، وسيطرد شعب الحضارات الفاسدين والحاقدين والطائفيين ويقتلعهم من جذورهم.
ولن تبقى ايران طويلا، وسيكون أهل الجنوب أول من يتصدى لها، فقد كانت لهم صولاتهم معها في الثمانينيات التي لا تنسى.
إن ايران اليوم التي تمزج بين العصبية القومية والايديولوجيا الدينية، وتحاول توظيف التشيع لخدمة أهدافها وطموحاتها ومشاريعها السياسية، طموحات توسعية ترى في الدين مجالا حيويا، متجاوزا الحدود والهويات ومتعارضا مع الحقائق الجيوسياسية، ولهذا فان هناك تناقضات بين مشروع قومي صفوي فارسي، وغطاء ديني يتناقض ورغبة التمدد والتوسع واعادة الأمجاد الغابرة.
فقد قال الخميني: (إن تحرير القدس يمر عبر بغداد) واليوم يقول خامنئي: (إن تحرير القدس يمر عبر حلب) وهنا نكتشف فن التوظيف السياسي للدين، وكيف تستخدم ايران الميليشيات وتستقطب الشباب من ايران وافغانستان وباكستان، ليعبدوا الطريق لمشروع قومي امبراطوري توسعي.
اللافت للاهتمام ان ايران تتعامل مع المقربين منها كأدوات لخدمة مصالحها لا أكثر، ففي الاحتجاجات الاخيرة في بغداد طلب جو بايدن من ايران انهاء اعتصامات البرلمان والاحتجاجات الصدرية، فطار الصدر الى طهران، ليتلقى التعليمات، لكنه حتى يظهر جانبا من قوته، اصدر مكتبه بيانا بان الصدر لا يفرط في ارادة العراقيين، وانه أرسل رسالة لطهران بأن أي ضغوط عليه، ستدفع به للاقامة في تركيا أو السعودية، وعندما تدخل قاسم سليماني وهو ضابط التنسيق الامني في العراق مع الجانب الامريكي، أرسل سليماني قيس الخزعلي مسؤول عصائب أهل الحق ليبلغ مقتدى الصدر رسالة بعنوان (لم كلابك وإلا ارسلت كلابي) هذا ما قاله الخزعلي للصدر، وهي تعكس رؤية ايران لهذه الميليشات لا أكثر من هذا الدور.
ان العراقيين اليوم استوعبوا (قانون الصدمة والترويع) وهضموه بقوة عامل الحضارة، وصحيح ان ان امريكا وايران انتجت الفوضى الخلاقة والقاتلة، الا ان الوعي العراقي اليوم تجاوز المحنة، وانه سيرتد الامر على كل غاصب ومعتد، وان الايام القادمة ستشهد بأن العراقيين على اختلافهم وتحديدا سنتهم وشيعتهم سيصنعون العراق الجديد والسد المنيع باتجاه تمدد المشروع الفارسي وغيره من المشاريع.