إحدى النقاط الهامة التي حملتها رؤية المملكة 2030 هي دعم نشاط المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي تعاني غيابا كبيرا في الاقتصاد المحلي، وبحسب الرؤية فإن الهدف هو رفع إسهامها في الناتج المحلي إلى 70% لتقارب النسبة التي تمثلها في اقتصاديات الدول المتقدمة.
الواقع الحالي يشير إلى أن هذه الفئة من المشاريع تعاني مشكلات كبيرة في الإدارة والتمويل والإجراءات والعمال والسعودة مما حجم قدرتها على الإسهام في الناتج المحلي، فبحسب النسب الحالية فإن هذه المشاريع التي تمثل اليوم 93% من إجمالي عدد الكيانات الاقتصادية المسجلة في المملكة لا يتجاوز إسهامها في الناتج المحلي 33%، وبمعنى آخر فإن القسم الأكبر في الاقتصاد المحلي يعاني قدرته على المنافسة.
إحدى المشكلات التي تواجه نمو هذه المشاريع والتي أشارت إليها الرؤية هي إحجام البنوك السعودية عن تمويلها وعدم قدرتها على تقديم ضمانات للحصول على التمويل من الجهات الحكومية وغير الحكومية، ومع إعلان الرؤية الجديدة تنتظر هذه المشاريع أن تتضاعف فرص التمويل من 5% إلى 20% خلال السنوات القادمة، وهو ما يتطلب إعادة صياغة المناخ التمويلي في المملكة.
ومع هذا فإن تحسين البيئة التمويلية (بالرغم من أهميته) لن يكون كافياً لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتحقق الإسهام المطلوب في الاقتصاد الوطني ما لم يُعد صياغة الإجراءات الحكومية المتعلقة بوزارتي العمل والتجارة، وغيرهما من الجهات ذات العلاقة لتعكس طموحات الدولة في الارتقاء بهذه الفئة.
من المهم الاستفادة من تجربة الدول المتقدمة التي حققت النسبة التي تتطلع لها المملكة، فعلى سبيل المثال تنتشر في الغرب فكرة تعلم أساسيات النشاط والقيام به (DIY)، هذا الأمر من حيث التطبيق يمكن اعتباره خطوة متقدمة من اجتهادات الأسر المنتجة في المملكة حيث يقوم الأفراد أو أسرة بفتح المحال وإدارتها بنفسها بعد تعلم المهارات الأساسية للعمل.
هذا المفهوم الذي يقوم عليه كثير من المشاريع الصغيرة وبعضها حقق نجاحاً في التحول إلى مشروعات أكبر في الغرب هو نتاج بيئة استثمارية محفزة، ليس فقط من ناحية التمويل بل من حيث سهولة الإجراءات، وفهم أعمق لمتطلبات النجاح لمثل هذه التجارب، ومنها في بريطانيا على سبيل المثال توفير التدريب المجاني من قبل شبكات تنمية الأعمال.
من جانب آخر سيكون على الجهات المعنية بتطبيق القرار والهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تم إقرارها مؤخراً النظر للحالة المحلية، فهذه المشاريع بين مطرقة سيطرة العمالة الأجنبية عليها بنسبة تتجاوز 50% والتي في كثير من الأحيان تحتكر تجارة (الجملة) وشبكات التوزيع، وبين سندان ظاهرة التستر على تجارة العمالة الأجنبية تحت غطاء سعوديين وهو ما يكلف الاقتصاد الوطني تحويلات مليارية شهرياً.
وفي المقابل فإن سياسات وزارة العمل بحاجة لإعادة تصميم برامجها لتعكس الأهداف المرجوة، والتي لا يمكن أن تتحقق باستمرار الضغوطات الحالية على السعودة وهو ما كلّف الاقتصاد المحلي إغلاق عدد كبير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خلال السنوات الماضية لعدم توافر العمالة أو عدم قدرتها على توفير سعوديين لأعمال هذه المؤسسات.
قد يكون من المفيد لإدارة هذه المشكلة مراقبة التحويلات المالية للعمالة وتفعيل العقوبات على المتسترين وزيادة الرقابة على عمل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، لكن تسهيل إجراءات العمل والاستقدام أمر لا مفر منه لتطوير هذه المنشآت إلى حين تعزيز فكرة العمل القائم على الفرد والأسرة السعودية، والعمل على تحويل الأسر المنتجة إلى أسر مستثمرة.
هذا الهدف يحتاج لكثير من العمل على تطوير مساهمات المجتمع والمؤسسات الاقتصادية لتطوير المهارات الإدارية التي يعاني كثير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ضعفها وتحسين بيئة العمل والتسهيلات المطلوبة لبدء العمل وتعزيز النشاط خلال السنوات الخمس الأولى.