لم يجر في التاريخ مشاهد ذبح للإنسانية كما يحصل للسوريين الآن. هذه الفظاعات التي ترتكب كل يوم، والمحن التي يواجهها كل سوري فوق أي وصف لمشاهد العذاب على الإطلاق. إن ما يتحمله السوريون الآن- إن كانوا فعلا يتحملون- فوق قدرة البشر. لم تحرق مدينة منذ الحرب العالمية الأولى وتدك وتحاصر ويجوَّع أهلها كما يحدث في حلب الآن، على أن الأمر ليس مقصورا على حلب، فكل سوريا تنهشها الذئاب بلا رحمة من كل فصيلةٍ ونوع.
لذا نحن في المملكة وفي الخليج يجب أن نقف صفا داعما لجهود حكوماتنا أولا في محاولة تخفيف هذا العذاب اليومي الذي يواجهه المدنيون الأبرياء، ثم التخلص من مجرمي الحرب تخلصا نهائيا واسترجاع السلام لأرض السلام سوريا.
على أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، ولن يقف..
السوريون الهاربون من جحيم الحرب إلى تركيا ثم عبر بحر إيجة لأقرب جزيرة يونانية هو هرب من الجحيم إلى جهنم. لا يمكن وصف الطرق البرية، وتمزق الهاربين نفسيا وجسديا وهم يجاهدون لإكمال الطريق البري، كما أن ملاحم العذاب في البحر تعدت كل ملاحم العذاب بأساطير الإغريق. بل إن في جزيرة ليسبوس الإغريقية (اليونانية) يعاني اللاجئون صلف كل شيء من الطقس إلى الجوع وقلة الخدمات الأساسية إلى معاملة الجنود وحراس الشواطئ اليونانية، وتهشم أحلامهم للعبور لوسط أوروبا وشمالها الذي صار كالزجاج المطحون. ووقعت تركيا اتفاقية استرجاع اللاجئين بوعد مليار يورو من الدول الأوروبية لإدارة معسكر رهيب على حدودها الجنوبية يقطنه حوالى ثلاثة ملايين روح ضائعة وأنفس تائهة من هول تجارب ومناظر الحرب من اللاجئين السوريين. بإتمام هذا الاتفاق سيقفل بحر إيجه المسار البحري المختصر أمام طالبي اللجوء السوريين لأوروبا، وعلى السوريين المصرين على بلوغ شواطئ أوروبا الآن اختيار مسارات بحرية في وسط البحر الأبيض، وكل خيار هو مصيدة موت. بل ربما الموت سيكون الراحة من عذابات متصلة ومتواصلة.
نعود للاجئي تلك الجزيرة الصغيرة من تذكرهم؟ ولاحظ أن تذكرهم «قد» لا يعني العطف عليهم، وأقول «قد» لأن الله أعلم بالنوايا. الذي تذكرهم وصارت ضجة إعلامية حول ذلك هو بابا الفاتيكان الحالي فرانسيس الذي يعتبر أكثر من اعتلى سدة المرجع الكاثوليكي لمسيحيي العالم نشاطا وذكاء إعلاميا، فعشقه الإعلاميون والإعلام، ولذا زار اللاجئين بالجزيرة وأظهر عطفا فائقا وطالب «أوروبا المسيحية» أن تستقبل كل اللاجئين في بلدانها وتوفر لهم مقاما كريما. بل إن الفاتيكان يعيش به الآن 13 لاجئا سوريا، ويقول البابا إن الفاتيكان الصغيرة التي يقطنها ألف نسمة يعتبر هذا الرقم من اللاجئين بها ليس صغيرا، ولو أن كل دولة أوروبية أخذت 13 لاجئا مقابل ألف من سكانها لانتهت مشاكل اللاجئين.
لا أحد يعلم عن نية البابا إلا ربنا سبحانه وتعالى، ولكن نحن الذين نحب ونتأثر بآلام السوريين يجب أن تكون مساهماتنا أعلى وأقوى من البابا الذي يصر على عطف المسيحيين على المسلمين. والمغزى كبير.
لن نعدم الوسائل ولا الطرق للوصول لأهلنا المشردين السوريين، لما يكون العزم العملي على ذلك منا.. جميعا.
وفي هذه اللحظة التي يحترق بها طفل بحلب، ويموت جوعا رضيع سوري في معسكر ما، أسأل الله العون والغوث.