حضرت اجتماعا قبل سنتين مع مسؤول نتحاور فيه حوارا علميا وإداريا حول برنامج مجتمعي، وكنت أذكر بعض العقبات التي من أهمها؛ حينما نزور بعض الدوائر الحكومية لا يتوافر عندهم إحصاءات وأرقام حول المستهدفين الذين ضمن إطار مسؤوليتهم، وفعلا وافقني بوجهة نظري، ثم سألته هل يوجد لديكم أنتم مركز إحصاء ومعلومات متكاملة للناس، أو لأعمالكم وموظفيكم؟ وهل يوجد مركز للجودة والتطوير حقيقي، وليس اسما مرفوعا بلوحة؟ قال: لا..!
من أعظم متطلبات التنمية البشرية توافر إحصاءات دقيقة بالأعداد لأي فئة من الناس، أطفالا وكبارا، رجالا ونساء، موظفين وطلابا، عزابا ومتزوجين، فقراء وأغنياء في كل مدينة، ومحافظة، ومركز، ثم بعد الإحصاء الدقيق، ما أعمالهم؟ ومناشطهم؟ وعلاقاتهم؟ وكيف يتفاعلون؟ ويقضون أوقاتهم؟ ما أجمل سلوكياتهم؟ وما المشكلات التي يعانون منها؟ ثم ما البرامج المقدمة لهم؟ وكيف أعدت، وهل لها تقييم؟ وتطوير؟ وما المخرجات والثمرات؟ ما دور التعليم في تربية النشء؟ وما تأثير الاعلام بصناعة الرموز الراقية الطيبة؟ وكيف حال وزارة الشؤون الاجتماعية والاسلامية؟ تلك في احتواء الأسر وصناعة قيادييها، وهذه بتطوير آلية الدعوة والتوعية وجعل الجامع جامعة علما واجتماعا وتزكية، لا شك أنها أهداف يسعى كل في مكانه لتحقيقها.. لكن ذلك مبني على معلومات موثوقة، وإحصاءات دقيقة يبنى عليها القرار وتصمم لها البرامج، وعلى سبيل المثال لبيان أهمية العدد وأثره على تكوين المجتمع، أعداد الزواجات بالمملكة العربية السعودية تقارب ١٧٠ ألف عقد زواج تقريبا، وخلال ١٠ سنوات سيتكون لدينا قرابة مليوني أسرة، متوسط الأسرة سيكون ٤ إذن بعد ١٠ سنوات سيكون لدينا ٨ ملايين إنسان، السؤال هل ثمة برامج تقدم باحتراف من قبل مركز وطني أو متخصص كبير لتأهيل كل شاب يريد بناء أسرة، تربية ونفسا واقتصادا وشرعا، من عمر ١٨ عاما حتى ٣٠، لاشك أن هناك مراكز للتنمية الأسرية ولهم جهود مشكورة لكن تبقى مفرقة، والحاجة قائمة بجمع ما تفرق في المراكز بمركز ضخم متمكن متميز يجهز البرامج باحتراف واقتدار، والجهات الأخرى تدرب على التنفيذ وفق معايير محددة وآليات معروفة. ويقدم هذا المركز خدمات للشباب والشابات، قبل الزواج وبعده، وجميل أن يتم التوجيه بجعل ذلك متطلبا لعقد الزواج، وإعطاء حوافز لحضورها والتميز فيها كإجازة من عمل وجوائز مشجعة، ويتزامن مع ذلك برامج في الإعلام تغطي هذه القضايا توعية ونمذجة خاصة مع إقبال الصيف، إضافة إلى تعاون الخطيب، وتفعيل مراكز الأحياء لنشر هذه الثقافة الزوجية والأسرية، وماذا لو تعاونت كل من التعليم والإعلام والاسلامية والاجتماعية، على التشارك بضخ برامج مشتركة كل في مجاله واختصاصة كل ٣ شهور ويركز بعض الشيء عليها مع توفير بيانات لهم وأعداد وإحصاءات تساعدهم كأعداد المقبلين على الزواج، ومثال آخر أعداد الشعب السعودي ممن أعمارهم دون الثلاثين يبلغون ٦٧٪ من المجتمع، فإذا كان سكان السعودية المواطنون قرابة ٢٠ مليونا، فالذين دون ٣٠ سنة يبلغ عددهم ١٣ مليونا، والعدد كل عام بازدياد، إذن مجتمع السعودية مجتمع شاب فتي، لكن هؤلاء الشباب كيف يتربون؟ وكيف تتشكل شخصياتهم وأفكارهم؟ هل ثمة برامج يكتشفون بها قدراتهم، ويستثمرون طاقاتهم وأوقاتهم؟ وخاصة في المساء؟!
وجود الاحصاءات وأنواعها سواء للمستفيدين، أو العاملين أوالإمكانات وغيرها تقرب للباحث والخبير والمسؤول والمدير رؤية الواقع والناس ومتطلبات التنمية فيكون القرار صوابا أو قريبا منه.