جميع ما يحدث في سوريا من دمار وتدمير على أيدي قوات النظام يتكيف مع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بامتياز بما يفترض معه أن يدخل الأسد ونظامه وشبيحته وكل من يسانده في مواجهة أخلاقية مباشرة وصريحة مع القانون الدولي والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ولكن ذلك لم يحدث، خاصة وأنه تمادى بشكل سافر ووحشي في عمليات حلب الحالية التي قتل فيها نحو 250 شخصا وجرح المئات خلال عشرة أيام من الاعتداءات التي تفرط في استخدام القوة.
ليس من مبرر للصمت الدولي عن مجازر النظام السوري إلا قبول ما يحدث، والمسؤولية الإنسانية تقتضي ما هو أكثر من الشجب والإدانة والاستنكار والقلق الرخيص والمجاني، فذلك لا يوفي الحد الأدنى من المبادرة الى إيقاف آلة القتل اليومية في مدينة منكوبة لم يسلم فيها المدنيون والمستشفيات والمنشآت الصحية والخدمية والحيوية من القصف، ولذلك نسأل هل تغير العالم الى الأسوأ؟ ربما، لأنه لا أحد يكترث لما يجري في سوريا بصورة صحيحة، وليس من مسؤولية الدول العربية وحدها أن تتعامل مع تعقيدات توجد فيها أطراف دولية أخرى تدعم وتساند النظام دون اعتبارات أخلاقية لحالة الحرب والسلم.
ما المطلوب ليتحرك الضمير العالمي؟ قد يبدو السؤال غير مناسب من واقع حالة الانكسار والعري الأخلاقي في مجتمعات العالم التي لا تحرك ساكنا تجاه المجازر والدمار، ولكن من الضروري أن تكون هناك ردة فعل تليق بالأحداث لأن ما قد يحدث بعد ذلك في أي مكان بالعالم سيكشف السوء السياسي والقانوني لمن يتحرك في أحداث أخرى، ويضع الجميع أمام معادلة ازدواج معايير مفضوحة يتجزأ فيها القانون ويتمايز البشر بين من يستحقون تحركا لحمايتهم ومن يتركون دون غطاء إنساني، وذلك لا يتناسب مع مقتضيات القانون الدولي وأعراف الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الصامت الأكبر في الحالة السورية.
من يتحرك ولا يفي بأمر مهم من أجل تخفيض الضرر السوري لا يستوي مع من يقف صامتا أو يدعم المجرم، فهو ومن يجرم سواء، لذلك فإننا في الحقيقة أمام لحظة تاريخية لاختبار القانون الدولي ودور المؤسسات الدولية المعنية بالسلام وحتى الرأي العام الدولي في المجتمعات التي تتفرج على المأساة السورية، كل هؤلاء يسقطون في الاختبار ويسمحون لآخرين محتملين في مجتمعات أخرى أن يمارسوا رذيلة القتل الجماعي بلا خوف من عواقب، بما يجعل العالم يتحول الى غابة يعيش فيها الصياد والفريسة، وذلك ليس العالم المثالي للأمن والسلام والتعايش، وفي المحصلة فإن من يدفع الثمن في النهاية هو الشعب السوري الذي يموت بدم بارد على مشهد هذا العالم.
الأسوأ التالي من موت السوريين في حلب وغيرها، هو أن العالم كله سيصبح مسرحا يتجول فيه المجرمون والإرهابيون ويقدموا عروضا مفتوحة لأن الميزان الأخلاقي والإنساني والقانوني مختل ولا يمكن لمن يصمت في جرائم سوريا أن يئن ويرفض ما قد يلحق به من ذات الكأس التي يتجرعها السوريون، فالثمن مؤجل، لأن كل صمت يعني ميلاد رافض بتطرف لموقف من يتفرجون، والنتيجة ظهور مزيد من الإرهاب والتطرف، فالصمت جريمة تلد جريمة أخطر.