مثل كثير من المواطنين غمرني تفاؤل كبير بالرؤية السعودية التي جاءت تفاصيلها الاقتصادية وهي تشير إلى تغيرات اجتماعية واسعة ستأتي متزامنة مع تحقق كل خطوة من خطوات الرؤية المستقبلية، والتي لو حاولنا تصورها في مراحلها الأخيرة من النجاح سنجد أن صورة سنغافورة وماليزيا بل والأقرب إلينا دبي أو تركيا حاضرة في الأذهان، وبمجرد أن تذكر الأخيرتين يبرز أمامك التناقض الفاضح بين ما يفكر فيه الناس وما يطبقونه، وبين ما يرضونه ويصفقون له هناك، وما يرفضونه هنا ويتسابقون لتكفير كل من يطالب به أو حتى يبدي إعجابه أو موافقته عليه! هذا التناقض سيرافق رؤيتنا المستقبلية ويسبب ضجيجاً مزعجاً للغاية ونعرفه جيداً؛ لأنه معاش حاليا نراه في كل مكان؛ نراه في مجمع تجاري في الخبر كما نراه بوجه آخر في مجمع في البحرين أو دبي ونراه فيما يكتب وينشر في الواتس آب بأسماء وهمية على أنه للكاتب فلان بن فلان، ونراه في تويتر من كبار المؤثرين في الرأي العام أولئك الذين يصفقون كثيراً لتركيا وسياستها العلمانية ثم يدعون بالويل والثبور لمن يطالب بالسينما في السعودية، وإذا كان هذا حال المؤثر فماذا عن المؤثر عليه؟ أولئك الذين لا يحسنون التفكير بقدر ما يحسنون التلقي فقط وهم كما يقال «كلمة توديهم وكلمة تجيبهم» هؤلاء الذين آذوا الوطن بسلبية التناقض التي أربكتهم وأربكتنا معهم حين يتذكرون الدين في موقع جغرافي ما وينسونه في مكان آخر! هؤلاء ماذا سنفعل معهم؟ ولماذا سنضطر لهدر أوقاتنا وإجهاد عقولنا لإقناعهم بما سيكون من انفتاح لا يمكن أن تحقق الرؤية المستقبلية بدونه. يقول ريتشارد كويست في برنامجه الاقتصادي «كويست مينز بزنس» (من السهل القول بأن السعودية ترغب بتشجيع السياحة ولكن في ظل الظروف المناخية الحارة بالبلاد والقيود الدينية قد يكون الأمر صعبا.. الخطة طموحة ولكن الأساس يبقى في التنفيذ) والحقيقة أن ذلك سيكون صعبا بالفعل لأنه لا يتطلب العمل على تحقيق الخطوات الاقتصادية للرؤية السعودية ٢٠٣٠ بمعزل عن القبول الاجتماعي لمتطلبات ذلك التحول الاقتصادي الطموح والرؤية المميزة التي لاقت الاستحسان والترحيب ممن فهمها وممن لم يفهم إلا بعض نتائجها المرتقبة. وذلك القبول الاجتماعي يعتمد بالطبع على الشعب الذي ينقسم أمامها إلى قسمين.. قسم يتميز بالوعي والإيجابية وآخر يتسربل بالسلبية والتخويف وقلب المفاهيم، ويعتمدون في ذلك على ربط كل تغير اجتماعي بالدين ويرهبون الناس بأن ذلك سيكون مضيعة للدين وما إلى ذلك من أساليب رأيناها وسمعناها وقرأناها.. ولعل أكثرها وضوحاً أنك تجد من يلتقط صورة لبعض الأشخاص يؤدون الصلاة في أحد مساجد تركيا ويظل يثني عليهم وعلى تمسكهم بالدين ثم يهاجم دبي التي لا تغلق محلاتها في أوقات الصلاة!! كل هذه المقارنات التي تملأ تويتر والواتس آب هي من صنع سعودي يخدم حزبا معينا ولكنه يسيء لعقول كثير من الناس ومن خلالهم يسيء للدين ثم الوطن؛ لأنه يركز على ما يريد مثل انتشار الحجاب وأعداد المصلين ولكنه لا يشير إلى الخمور المتوفرة في كل مطعم أو إلى قانون السماح بالاجهاض الذي بلغ في النصف الأول من عام ٢٠١٤ أكثر من ٤٠ ألف عملية في تركيا!! أو المراقص الليلية أو المدارس المختلطة، والأدهى والأمر أنهم يتظاهرون بتصديقه والتصفيق له مع أنهم يرون الحياة المنفتحة هناك سواء في رحلاتهم السياحية أو من خلال ما تعرضه لهم المسلسلات التي أدمنوها!! هذا التناقض المتنامي والذي هيأت له الظروف الاجتماعية والمعرفية والعرفية وفرش له بعض معتلي المنابر السجاجيد الحمراء في عقول الغالبية، هو الذي يخيفني على الرؤية المستقبلية ما لم تسن له القوانين اللازمة والرادعة التي تكفل حق المواطن بالنمو والاستمرار والمعالجة الأولية والمستمرة لكثير من مشاكله الاقتصادية وبالتالي الاجتماعية.
الأمر صعب ولكنه ليس مستحيلا، هو فقط يحتاج إلى جهود مكثفة في بث الوعي، الوعي الديني والوعي الاجتماعي، ومن الوعي ألا نتوقف عند قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) وننسى قوله تعالى (لكم دينكم ولي دين) ومن الوعي أن نؤمن بأننا كمسلمين فينا الصالح وفينا الطالح، وفينا الملتزم وفينا العاصي وبأن الله جل وعلا يقول:(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء) ومن الوعي أن نفهم ونسلم بقوله تعالى:(إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)، الله أعلم بالمهتدين لأنه لا شكل ولا علامة ظاهرة لهم كما يدعي بعضنا ولكنها علامات عقلية وقلبية تتصل بالإيمان ومن ثم علامات خارجية تتعلق بتحقق متطلبات ذلك الإيمان فيما بين العبد وربه أولا وفيما بينه وبين الناس ثانيا ومتطلبات تحقق الايمان مرتبطة كل الارتباط بالمعاملات لا بالعبادات.