عندما يجلس متحاورون يمثلون أكثر من دين على طاولة واحدة، فما الموضوعات التي يفترض بهم مناقشتها؟ هل يناقشون مسألة تحول أي طرف إلى الطرف الآخر وتغيير دينه، أم يطرح كل منهم أحقيته وخطأ الآخرين، أم أن كل طرف يقوم بتبرير الممارسات السياسية للدول التي ينتمي إليها؟ وبكلمة أخرى هل هي حوارات أيديولوجية، أم سياسية، أم أي نوع من الحوارات هي؟
لا يمكن لأي شخص أن ينفي حصول بعض هذه الأمور أو حتى جميعها في جلسات حوار الأديان، لأنه ليس باستطاعة أي متدين - مهما كان دينه- أن يتجرد من كامل عواطفه، وأن ينسلخ عن واقعه ومحيطه الديني ويذوب بشكل كامل في جلسات حوار فقط لمجرد الرغبة في إنجاحها. فلكل طرف مسلمات، ولكلٍ خطوط حمر، والجميع يعتقد أن لديه الحق الذي باعتناقه نجاة البشرية في الدنيا والآخرة ولديه الرغبة في تحول الآخرين إلى دينه وربما عمل على ذلك. بل إن كثيرا من الأديان (وليس جميعها) تعمل على زيادة عدد أتباعها بمن فيهم نحن المسلمين الذين يدعونا ديننا الحنيف إلى ذلك بصراحة لكن بالحكمة والموعظة الحسنة.
إن الحوار الأيديولوجي أو العقدي بين أتباع الأديان لا يزيدهم إلا تمسكا بأديانهم، بل إنه يشحن أجواء الحوار ويزيد من التوتر والاستقطاب بين أوساط المتحاورين أكثر مما كانت عليه قبل بدء الحوار. ذلك أن الحوار العقدي يدخل في المناطق المحرمة عند الجميع ما يعني تعقد الحوار أكثر من ذي قبل. كما أن ذلك يستدعي بالضرورة التاريخ بما يحمله من أعباء وأثقال تلقي بظلالها على المتحاورين وتدخلهم في مشكلات أسسها أو شارك في تأسيسها أو عاصرها أجدادهم الغابرون في زمن بعيد. ولأن المتحاورين لا يستطيعون تغيير ذلك الواقع فإنهم ومن أجل تبرئة ساحاتهم وإثبات أحقية مناهجهم مجبرون على تبرير ذلك التاريخ بكل ما أوتوا من منطق حتى لو لم يكن ذلك المنطق منطقيا! فالمسلمون سوف يتحدثون عن الحروب الصليبية وما سببته من مآس ومحن على البلدان الإسلامية، بينما سوف يطرح المسيحيون (مثلا) إشكالية الفتوح الإسلامية التي امتدت حتى القارة الأوروبية والحروب التي واكبتها.
لذلك فإن المدخل العقدي في حوار الأديان قد لا يكون الخيار الأنسب للولوج إلى حوار إيجابي وهادئ وفعال بين الأديان. قد يكون مناسبا في مرحلة تالية، لكنه أسوأ خيار في بداية الحوار. ويبقى الحوار في الجانب الإنساني والثقافي أفضل (في البدايات) وذلك لأنها هي ما تحتاجه البشرية بالفعل، وكذلك من أجل تهيئة الأجواء لحوارات أكثر شمولية وإيجابية في مراحل قادمة.