رؤية مستقبلية محفزة، وأحلام ممتدة تبعث على التفاؤل، فالتحول بحد ذاته مطلب حضاري لكل مجتمعات الأرض، لذا نؤكد بداية على وصفه بالتحول بدلا من التغيير، فللتحول فلسفته الأكثر حضورا من التغيير، كما تعبر عن ذلك العديد من المعاجم في تعريف الكلمتين وهذا التحول الوطني المنتظر الذي أنصتنا بالأمس القريب إلى مشروعه الزمني الممتد عبر سنوات قادمة، تنتظرها مراحل وأجيال، وتستدعيها ظروف ومسوغات وأحوال، فالحياة كما عهدناها متحركة، وظروفها متغيرة، لذا نستبشر خيرا بأن ثمة رؤى واضحة واستراتيجيات بينة لمستقبل هذا الوطن ومستقبل أبنائه وكل من يعيش بين جنباته.
لقد انصتت القلوب قبل الآذان لحديث صادق من ولي ولي العهد، الذي رحل بنا عبر مشاريع جبارة، ستعمل على صناعة تحول حقيقي إذا ما لقيت الحزم والعزم في تنفيذها، وإذا ما تحمل مسؤولية ترجمتها واقعا أبناء هذا الوطن، وجعلوها حلما مشتركا وهدفا جماعيا، بعد أن وضع سمو الأمير محمد بن سلمان النقاط على الحروف وأكد أنه مشروع شعب لا مشروع أشخاص، وأكد على كونه مطلبا للمتغيرات العالمية، والمستجدات الحياتية، وحلا لواقع الحالة الاقتصادية القائمة، فقداسة النفط التي منحناها هذا المعدن لا بد أن تضمحل، فاتحة الأفق إلى مصادر دخل أخرى، ومشاريع استثمار مغايرة، وهذا ما كان الاقتصاديون جلهم يحذرون منه ويأكدون عليه، بل صار سؤالا مقدسا كقداسة موضوعة: ما الوضع بعد نفاد النفط؟.
الآن ونحن نستمع إلى الرؤية والمشروع والحلم يلزمنا العديد من الإجراءات، وسأركز على الإجراء اللوجستي الأهم، وأعني به الشريحة الأهم، وهي التي يبنى هذا المشروع الوطني الضخم لها ولحياتها وللأجيال من بعدها، وأعني فئة الشباب، بمعنى أن مثل هذا التحول الكبير يتطلب وعيا ثقافيا خاصا لدى فئة الشباب، يتطلب برنامجا تفصيليا يعنى بوضع أهداف المشروع بين أيديهم؛ كي يسايروا خطواته ويدركوا تطلعاته، فمن عادة المشاريع المستقبلية أو التي تتطلب نتائجها الملموسة مساحة زمنية طويلة لا تحظى بحماس آني خاصة من فئة الشباب، على الرغم من أنها أوجدت له ولجيله ولمن يأتون من بعده، وهو أمر يستدعي كثيرا من النظر في أمر التسويق والترويج للمشروع الحلم الموجهة خصيصا لهذه الفئة.
مثل هذا الأمر لا نطرحه من أجل أن شباب الوطن هم أكثر الفئات إفادة منه، ولكن يتم طرحه لسبب آخر وجيه، أن بناء هذا المشروع الوطني العملاق سيعتمد على فئة الشباب وسيرتكز على إمكاناتهم وحماسهم في شتى المجالات، ولا أظن أن المسألة ستقف عند حد المشاركة إذا لم نقرنها بالإيمان بالمشروع، والوعي بدوره للوطن والشعب وهذه الأرض، فإيمان العامل في المشروع بمشروعه يخلق عطاء مختلفا ويصنع حماسا استثنائيا، وينتج مخرجات حقيقية لا شكلية، ومن هنا وجب التشديد على فكرة وضع هذا التصور الوطني الخلاق بين أيادي شبابنا وابتكار كل الوسائط القادرة على خلق حالة انتماء لمشروع وطنهم وحلمهم القادم.
تبقى مقترحات خلق هذه الحالة المطلوبة من الوعي لدى شبابنا عديدة ومتنوعة، لكنها تتطلب استثمار المبتكر منها، والقريب من ميول الشباب، وفق خطة مدروسة، ومقننة ومرحلية، خاصة في ظل وجود اطروحات اخرى تجد طريقها بسهولة إلى عقولهم، عبر تويتر وغيره من منافذ شبكات التواصل الاجتماعي الفاعلة، الأمر الذي يخلق لبسا وخلطا في تصورات المشروع وأهدافه وآليات تنفيذه، ومن هنا نشدد على وسائط هذه التوعية وأشكالها كي تكون داعما حقيقيا لحلمنا الجماعي القادم.