ليس غريبا أو مريبا ما سأتطرق إليه عبر هذه السطور.. فمن يقرأ لغة بعض الشاتمين الموغلين بكل ما يسيئ أو يقلل من الإنجازات والارتقاءات؛ لن يستغرب بعد فترة أن وجد هذا المتسلق مقربا وذا حظوة بل ومادحا عكس ما كان عليه.
أما كيف فبدون مواربة أو ضحك على الذقون إذا أردت أن تتكسب وترتقي؛ عليك أن تكون شتاما، منتقصا.. صبورا حينها ستجد نفسك بين الوفود المختارة، ومن أصحاب الكرسي الأقرب لصاحب الشأن.. ليس إلا أنك قد بلغت الهدف وشتائمك قد أوصلتك الى المجموعة ذات الحظوة. ومن جهتي، لم أعد أعرف هل هذه آلية خاصة بنا في كيفية التعامل مع أصحاب النقد الحاد الذي يصل في كثير منه الى المبالغة وتحدي العمل الذي نتفق على أنه سليم، ويستحق الإشادة أكثر من النقد؟.. أم أنه فعل متبع للترويض وإيثار السلامة من النقد الحاد، قد يفعل آخرون في بلدان أخرى مثل ذلك، لكني أجزم أنه لدينا أكبر.. وها هم بعض كتّاب الأعمدة، وثرثارو القنوات التلفزيونية، وشتّامو التواصل الاجتماعي يحظون بالدعوات والمعاملة الخاصة.
قد يعتب أحدهم على كاتب السطور، لكن الدلائل قائمة والاسماء معروفة، ويكفي أن نشير الى أمثلة حاضرة سواء بالاسماء التي حظيت أن تكون ضمن الوفود الإعلامية أو حينما يكشف الشاتمون أنفسهم حين اختلافهم، ولعل ما حدث قبل أعوام وخلال معرض الكتاب وكيف ظهرت الأمور والدعوات التي كانت باريس إحدى محطاتها مع الخطوط الجوية التي لم يتركوا شاردة ونقيصة إلا ألصقوها بها حتى حضرت المغريات فاسكتتهم؟!.
أنا لا أدعو لمثل ذلك، وأجزم بعد نحو ثلاثة عقود من العمل الصحفي والكتابي أن من ينحى إلى مثل هذا العمل؛ كي يتكسب به، هو كما يفعل المُبّتز بارتزاقه من ضعف الطرف الآخر، فهو ابتزاز من نوع آخر يبدأ بالهجوم وينتهي بالانبطاح، وفيما بينهما يستغلون الرأي العام ومن يؤيدهم من فرط تعلق بكل شاتم، ليكتشف الرعاع من مؤيديهم بعد زمن أنهم خدعوهم وضللوهم لمقاصد دنيوية؟!.
نعم، لقد أصبح الإعلام وما يذهب إلى التواصل الاجتماعي أدوات لمساومات إعلامية دنيئة مبتذلة، تبدأ بالقفز على القيم، وتنتهي بالتهريج والتخلي عن كل المعاني السامية، ثم التراجع حين بلوغ مرحلة التكسب. ولو قمنا باستقصاء لاسماء معينة كنّا نحسبها تنطلق من قيم وطنية في نقدها ثم وجدناها على النقيض مما كانت عليه بعد أن دخلت مرحلة التكسب؛ لأعيانا الألم، وكأننا أمام عمل مجز ومكاسبه مضمونة، وبما جعل مجتمعنا الإعلامي في معظمه يقع على طرفي نقيض، فإما نقدا قوامه الإطراء والثناء حد الكذب، وإما سعيا بكل سبيل إلى التماس السقطات والعثرات وتشويه الصورة، وكلا الشأنين مضر، ونحسب أنهما السبيل الأكثر اتباعا للتكسب، وإن كان وضع المُسرفين في الشتم قد بلغ شأنا مطلوبا يثير الاستغراب؟!.
ولا ننكر هنا أن هناك من يمسكون العصا من المنتصف من أصحاب الرسالة الإعلامية النبيلة، لكنهم وبكل أسف قليلون في هذا الزمن الذي عج به المتكسبون البعيدون عن الالتزام بالمنهجية والحصافة والنقد الهادف الموضوعي.
ختام القول.. نشدد على أنه أصبح بمقدورنا، وخلال زمننا الجاري، أن نترحم على النقد النزيه، وليس هو فقط بل على القادرين على التعامل معه ونعني هنا المتلقين لهذا النقد؛ لنستقر في زمن عنوانه "كيف تصل من خلال الشتائم" أن تكون قابلا لأن تباع أو تشترى، فلم تعد واضحة في هذا الإطار، فالقضية لا تتعلق بهوية الإعلام نفسه، إنما بهوية من يسعى إلى توظيف الإعلام وتسخيره وتطويعه وتحويله إلى مطية وأرباح مادية.