مشكلة الصغار يعتقدون دائما بأنهم كبار، وأنهم قوة عظمى في ضواحيهم، وأنهم عندما يختبئون، وحولهم الحمايات الامنية المكثفة، وتلاحقهم وسائل الاعلام، يصبحون مع الوقت مجانين سلطة، لديهم شبق القطط، ينسجون حول انفسهم بطولات مزيفة، لا تقع الانفجارات في الامكنة، الا بعد خروجهم منها بدقائق، ولكنهم ضعاف جدا، لا يؤمنون بأن أي اتفاق دولي سيجعلهم يغيرون مساراتهم واتجاهاتهم، لا تأتي الحياة دائما كما يريدون، ولا تمهلهم كي يرتبوا أمورهم، كي تبدو تحركاتهم طبيعية.
ولهذا عندما يتفق الكبار، يصمت الصغار، ينهرون دائما، اذا ما ارادوا ان يظهروا بأن لهم وزنهم ورأيهم الذي يجب ان يحترم، يجري توبيخهم من نائب وزير، ويبتلعون الاهانة بمرونة بطولية، فالسلطة لديهم أهم من الكرامة، ولأجلها يكرم المرء أو يهان، هذه قاعدتهم دائما، يقتلون ويقتلون، لكن أملهم بالبقاء وبالسلطة كأمل ابليس في الجنة، يعرف انها مستحيلة، لكنه يقاوم، ويقنع نفسه بالمقاومة والممانعة والبطولات العرمرمية، لكنه يكتشف نفسه متأخرا، بأنه صفر عند أي اتفاق.
على الرغم من أن المبادرة الخليجية، حفظت للمخلوع صالح كرامته، وأرادت أن تحفظ دماء اليمنيين، وأن تؤسس ليمن جديد تعددي، بعيد عن الطائفية، الا انه لم يستطع الابتعاد عن السلطة، لم يستطع الابتعاد عن صنعاء، لدرجة انه كان يستعجل العلاج في الرياض، وكان على اتصال دائم بصنعاء، وبجميع مؤسسات الدولة، رغم تنازله عنها لصالح الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، صالح الذي طلب قريبه مجاهد ابو الشوارب ذات يوم لتناول الافطار والسباحة معه، وفي منتصف المسبح، قال له «يا مجاهد هل تعرف والدي، قال له نعم، قال والله لو ينافسني على ذا الكرسي لاغرقته هنا بكلتا يدي» وكانت رسالة لمجاهد ابو الشوارب لعدم التفكير بالسلطة، ومع ذلك لم يطمئن صالح، فاغتيل مجاهد، ولم تعرف الجهة التي كانت تقف خلف هذه العملية.
اليوم صالح الذي يتذرع بالمرض، لعل فيه تكمن الحلول، ومرض الزعماء ليس سوى فرصة سياسية للتفكير ومرحلة تفكير ونقاش وهزيمة داخلية، ومراجعة، ويبدو ان علي صالح الداهية ادرك ان كل ألاعيبه قد فسدت، وأن حيله لم تخدع اليمنيين، كان آخرها، انشاؤه كتيبة خاصة من استخبارات الحرس الجمهوري، دربت لتعمل تحت علامة داعش التجارية، تقتل وتدمر وتغتال وتفجر، وتعلن داعش مسؤوليتها عن الحادثة، فطهران ودمشق على خط داعش، ولا يمنع ذلك من دعم علي صالح بتبني العمليات الاجرامية في اليمن، ظنا منه ان لعبة الارهاب قد تخلط الاوراق وتعيده رئيسا لليمن، هكذه هو تفكير المهووسين بالسلطة.
اما عبدالملك الحوثي، فله الآخر بناء نفسي مرضي كبير معقد، فهو تضخم كثيرا لدرجة الاعتقاد بأنه الاقرب الى الانبياء من صفات البشر، وأن احلامه المرضية تجاوزت حدود نصر ايران، وتجاوزت مرشد طهران، لدرجة انه يعلم الغيب، وأن المخدوعين فيه، يعتقدون اعتقادا لا رجعة فيه، بأن قوى إلهية تحارب معه وإلى جانبه، وانه سينتصر، وأن جنون عبدالملك الحوثي مقارب لجنون صالح، فينقل مقربون عن صالح أنه فهلوي مخادع يلتقط الكلمات ثم يعيدها على سامعيه، لا يدقق في منطقيتها لأنه يجهلها، ولهذا قال امامهم ذات مرة انتم تغيرتم 160 درجة، بينما المنطق الانقلابي ان يقال تغيرتم 180 درجة، ونفسه عبدالملك الحوثي، يشرح امام مجموعة من المخدوعين طرق الحرب الشعبية، والتجربة الفيتنامية، ويقول ان هوشي منه كان رجلا مؤمنا ولهذا انتصر، وعندما سئل وكيف سيكون المستقبل في ظل هذا الحصار الجوي والبري والبحري، قال اتركوا هذا لي، فهذا ليس من شأنكم.
والاسد ليس بعيدا عن هذه الجوقة، من المتشبثين بالسطة، فقد كان فقهه الامني يشير الى ان مقتل 30 الف سوري كفيل بعودة الامور الى نصابها خاضعة له، وعندما وصل الرقم فوق 100 الف سوري قتلوا، قال علينا ان نقاتل الارهابيين، ولا خيار امامنا الا ان نضحي من أجل سوريا، والملفت للانتباه، ان ايران تجند الشيعة من باكستان وافغانستان، وبعض الدول الافريقية، على اعتبار انها المعركة الفصل بين السنة والشيعة، في وقت هي معركة سلطة ومعركة تبدلات في الجيوسياسية الاقليمية، فمن يسقط ويقتل هو لاجل الزعيم، لا لأجل شيء آخر.
وعند بدء سريان الهدنة، خرج الاسد ليؤكد أن الانتخابات ستكون بعد ثلاثة اشهر، ليأتيه الرد من موسكو ومن مندوب روسيا في الامم المتحدة، نحن من يقرر ذلك، وعندما خرج حسن عميل ايران ليؤكد أن المعركة مستمرة، جاء الرد حاسما قاطعا، إن أي خرق للهدنة سيواجه بالقوة، وصمت الصغار، عن أحاديث وقصص إلهاء الشارع اللبناني والعراقي، لا بل انهم وبعد هذه الحادثة أخذوا يتهامسون سرا حول وجود اتفاق روسي امريكي على خروج الاسد، وان هذا الهمس وصل الى الشارع اللبناني والى كوادر حزب ايران، التي وجدت فيه أن كل قتلاهم في سوريا، انتهت لصالح ابوعلي بوتين كما كانت تسميه، وان ايران بدأت تستشعر عدم التوافق بينها وموسكو، فقد أعلن علي أكبر ولايتي عن تنسيق عسكري روسي ايراني اقليمي، وفي اليمن، ليأتي الرد الروسي بأننا ندعم الشرعية اليمنية والقرارات الدولية.
لهذا هناك انهيارات في جبهات ميليشيا الحوثي وصالح، تزامنت ايضا مع تعيين علي محسن الاحمر نائبا للقائد العام للقوات المسلحة اليمنية، بعد مهلة بسيطة، اجرى فيها الاحمر اتصالاته مع قيادات حوثية، وقيادات في جيش صالح، ومع قوى قبلية، ساهمت في انهيارات حادة، أعلن فيها صالح مرضه، ورغبته المغادرة الى الامارات، فيما تعلن وسائل اعلام عبدالملك الحوثي، عن وفد يقوده محمد عبدالسلام، الناطق باسم الحوثيين، وصل الى ابها ومنها الى الرياض. فيما تبدي قوى المقاومة والجيش الوطني واستخبارات المقاومة اليمنية استعداداتها لدخول صنعاء.
لم يشأ التحالف العربي، قصف صنعاء، او دخولها بالقوة العسكرية، بل اكتفى بالحصار الشديد لها، الامر الذي دفعها للانهيار من الداخل، وأصبح الهروب منها جماعيا، ولم يستثن أحد سواء من قوات المخلوع او ميليشيات الحوثي، فيما الحصار الخارجي يضرب أوزاره، فلم تنفع الحيل الايرانية، بنقل السلاح الاسرائيلي من جزر دهلك، الى الحدود مع مسقط، حيث كان الحصار البحري سيد الموقف، وتم مؤخرا القبض على مهربين ايرانيين وبحوزتهم الاسلحة، وعندها اقتنعوا، بأن لا مستقبل امامهم ولا خيارات متاحة.
أما حسن ايران، فهو ماض في غيه على ذات الطريق، هو يكابر اليوم، لأنه اعتقد بأنه حاكم دولة لا حاكم ميليشيا، واعتقد ان ولاية الفقيه تظلله كل يوم، وان كل العالم يتغير، الا هو، وان المقاومة، التي اصبحت اهراقا لدم الابرياء من الشيعة العرب في لبنان، لأجل 150 دولارا شهرية، اهانهم بها، وشوه صورتهم وعسكر حياتهم، بعدما ظلوا لسنوات طويلة من المنارت والقامات الفكرية والثقافية في لبنان، عندما كانت الكلمة هي الوسيلة والهدف، وهي طريق النور والمستقبل، بدلا من الموت لأجل الزعيم.