فاجأني صديق بطلب مرافقته لمساعدته على إحضار قط صغير أليف هدية لابنته الصغيرة، كان الطلب مفاجئا إلى حد أنني أشرت الى أن شارعنا لن يخلو من قطط و«طلبك سهل»، الأمر الذي أثار حنقه، حيث إن جاهلا مثلي لم يدرك بعد أن إحضار قطة جميلة بات من الهدايا الكبيرة في المجتمعات الراقية.. الأمر الذي أسقط بيدي، فحسب تعريفي للهدية وكيفية إحضارها لم يكن يدخل في حيثياتها القط ولا الكلب ولا أي نوع من الزواحف، فأنا من جيل قديم لا يعرف الا نوعين فقط من الهدية «القلم أو الساعة»، ويبدو أنني لم أدرك خصوصية الزمن الذي أعيش فيه الآن «على حد رأي صديقي».
حقيقة فقد استثارني موضوع القطة خاصة وأنني أنتمي الى مجتمع كان يسكن في مقتبل عمره وسط الرياض، من جيل لا تجرؤ أي قطة أو حتى كلب من الاقتراب منه، بل إنها حينما تضطر الى ذلك فستسير بكل سرعتها هربا وخوفا، وعليه فكيف لمن يملك ثقافة رفس القط ورمي الكلب بالحجر أن يتنازل فجأة ليحضر قطة جميلة كهدية.
لست غبيا فأنا أعلم أن هناك محلات لبيع مثل هذه القطط بل إن كثيرين يرونها مكملة لجماليات المنزل بعد أن كانت عبر تاريخها من المضطهدات خلال حقبة تاريخية من عمر مدينة الرياض القديمة.. الآن تحضر في أبهى صورة ولا تأكل إلا من أغلى «القواطي» ولا تشرب الا الحليب المبستر، بعد أن كان حلمها أن تهنأ بزبالة عامرة تأخذ راحتها فيها من فرط جور بني آدم تجاهها.
الأكيد أننا وخلال زمننا القديم في حواري الرياض القديمة كالدركتر وثليم والصالحية قد ظلمنا هذا القط كثيرا ووجب الاعتذار منه حاليا، رغم أنه ما زال يسرح ويمرح كثيرا في أزقتنا لكنه لا يلاقي ويلات جيلي، نعتذر منه لأننا إن رضينا عنه رفسناه وإن خفنا منه اتهمناه بالجن والسحر، ومع ذلك لن أظلم القط لأنه «أخف دما» من الكلب فهو أكثر دفئا وأقل شرا، وإن كان لا يبلغ ما لدى الكلب من وفاء، لكن في زمننا الجاري لا نحتاج أبدا الى هذا الوفاء وعلى الكلاب أن تبقى خارج المدن.
يبدو أنني اندفعت للكتابة عن القط، لكن هو يستحق ذلك كونه ينتمي الى سلالة عريقة أصلها النمر والأسد، لكن لأنه رمي بين الناس «لا الغابات» فقد اضمحل جسمه وتراجعت هيبته ليكون غير قادر الا على الهرب، ولا ننكر هنا أنه عبر تاريخنا المجيد في حواري الرياض عرفنا الكثير من أنواع القطط، ليس من خلال شكلها وهيئتها بل من خلال سلوكها، وسنشير الى أشهرها وهو المسمى بـ «العري» وهو الذكر المتقدم بالسن «ليس كل ذكر عري» بل إنه أقرب الى الداشر الذي يسرق اللحم ويعتدي على صغار القطط، له سجل معارك كثير وغالبا ما تجده بعين واحدة أو بدون ذيل أو أعرج، وهو على كثرة مناوراته كثيرا ما يطل برأسه من أعلى القمامة!.
عاد لي صديقي بعد أيام ليقول لم تكن تجربتي بالبحث عن قط سهلة، فحين أردت ان اختار ما يسمى «سيامي» وجدت أن سعره بالآلاف، لذا قررت أن تعينني لكي أصطاد أحدها من أقرب برميل زبالة، لكن ظلت الحيرة حاضرة، فمن الممكن أن يكون من فصيلة العري ويحوس البيت وتصعب تربيته خاصة أن العرب قالت من قبل «القطو الكبير ما يتربى»!