كتبت في مقالي السابق عن إمكانية إحلال فرض الزكاة بصورة إلزامية تخضع لقانون جباية، كبديل عن ضريبة الدخل والضرائب الأخرى، باستثناء ضريبة السلع الضارة، والتي تندرج ضمن ضريبة القيمة المضافة، وأشرت إلى كون هذا التوجه قد يُسهم بصورة جيدة في خفض الإنفاق الحكومي.
البعض ربما أشكلت عليه فكرة إحلال الزكاة بمصاريف الدولة العامة كون الزكاة كفريضة إسلامية لها اشتراطاتها وكيفيتها الخاصة، والتي تختلف من حيث أوجه الصرف المشروعة عن مصروفات وأولويات الإنفاق الحكومي، والذي يغطي إلى حد كبير البنى التحتية والخدمات العامة ورواتب الموظفين الحكوميين وغيرها.
في الواقع، هذا النقاش لا يمكن أن ينفرد بعيداً عن بعض المقالات التي انتقدت فيها برنامج نطاقات، الذي سنته وزارة العمل؛ لتحفيز القطاع الخاص على توظيف السعوديين بصورة تستحث الشركات إلى النظر لأرقام السعوديين بصورة مبالغ فيها، وبما يهدد مستقبلهم الوظيفي ويدفع باتجاه التوظيف على الحد الأدنى وغالباً في وظائف هامشية أو وهمية.
هذا الحد الأدنى سواءً استمر في حدود الثلاثة آلاف ريال أو أكثر بقليل في المستقبل القريب، ليس بأفضل حالاً من الضمان الاجتماعي، خاصة إذا كان الموظف قد أكمل نصف دينه، وقُدر أن يرزق بأبناء، لتكون معاناته مضاعفة مرةً من شظف العيش، ومرةً من صعوبات العمل الشاق الذي لا يحقق له مستقبلا واضحا في المستوى الأدنى في السلم الوظيفي. ومن جانب آخر، فإن تشبع القطاع الخاص بوظائف (سعودة) الهدف منها تحقيق شروط الوزارة أو استصدار المزيد من التأشيرات؛ يدفع أيضاً لارتفاع الأسعار نتيجة التوظيف أعلى من الحاجة، وسيكون على الموظف السعودي الذي يعاني من راتب متواضع ومستقبل غير واضح أن يدفع فاتورة ارتفاع الأسعار.
حال هؤلاء الموظفين أفتى فيه كثير من المفتين داخل وخارج المملكة، مقدرين مستحقي الزكاة فعلياً بمقاييس العصر الحالي بمن لا يزيد مدخولهم الشهري عن أربعة أو خمسة آلاف ريال، والبعض يرى أن عدد أفراد المُعالين قد يدخل أصحاب دخول أعلى من ذلك ضمن مستحقي الزكاة.
جباية الزكاة بصورة واضحة وملزمة على طريقة آليات تتبع ومراقبة وإلزام ضريبة الدخل في الدول الغربية سيوفر دعماً لهذه الفئة بأموال المقتدرين؛ ما يحسن من أداء الاقتصاد المحلي، بتوسيع نطاق القدرة الشرائية وتحفيز عجلة الاقتصاد مرة أخرى، وإلحاق بعض المواطنين في شريحة الطبقة الوسطى والتي تعد صِمَام الأمان والهوية الوطنية في دول العالم.
أموال الزكاة لو تم جبايتها بصورة منظمة ومؤسسة بفاعلية قانونية ستمثل أيضاً دعماً للعاطلين عن العمل، وتحفيزاً لهم لو وظفت بصورة صحيحة تتجاوز سلبيات (حافز) والتي طُبقت بطريقة أقرب لتحفيز الكسل من تطوير الموظف وتحفيزه للعمل، بالإضافة إلى إمكانية إيجاد صيغة لدخوله في مشروعات توفر الإسكان المجاني للأسر التي لا تملك المأوى والدخل.
ومع هذا فإن الجهات القائمة على الفتوى ربما تنظر في إمكانية استثمار مداخيل الزكاة أو بعضها على الأقل في أوقاف مضمونة العوائد قرب الحرمين الشريفين على سبيل المثال، تُدار بصورة مؤسسية قد تؤمن دخلاً متنامياً لمحتاجي المعونة في وطننا، في وقت قد نمر فيه بمرحلة من الركود؛ نظراً للأحوال التي تمر بها المنطقة وانخفاض أسعار النفط.
التاريخ الإسلامي حمل الكثير من التجارب التي وُظفت فيها أموال الزكاة في تعزيز الاقتصاد، كما كان لها وللعدالة الاجتماعية في توزيع الثروات دور حيوي في الاستقرار والرخاء والأمن وإعادة صياغة العلاقة بين أفراد المجتمع وكذلك بين الدولة والمواطن.
أخيراً.. من المفيد النظر للتجارب العالمية في هذا السياق، لا سيما في السياق المؤسسي وحوكمة مؤسسات القطاع العام بصورة فعالة، ثم الاستثمار في إيجاد نموذج محلي ملائم لثقافة المجتمع وقدراته ومتجانس مع تراثه الذي يؤصل للتكافل الاجتماعي.