تداولت أوساط التواصل الاجتماعي مؤخراً فيديو يعرض تعاملاً فريداً للحكومة اليابانية ممثلة في مؤسسة سكة الحديد القومية مع تلميذة مدرسة ثانوية؛ كانت هي الوحيدة التي تستخدم القطار الموصل بين مقر سكنها ومدرستها. وكانت المحطة تلك غير مربحة، لأن هذه التلميذة هي الوحيدة التي تستخدمها ذهاباً إلى مدرستها وإياباً إلى منزلها. وخلال الأشهر الماضية عرض أحد المجالس إقفال تلك المحطة لأنها عبء وتكاليف على الحكومة من أجل شخص واحد عليه أن يتدبر أمره؛ لكن سكة الحديد رفضت ذلك بقوة، بل وعدلت مواعيد القطار، ليكون منضبطاً مع مواعيد ذهابها إلى المدرسة وعودتها منها. وفي ذلك يقول منتجو الفيديو: يقال دائماً إن اليابان تنتمي إلى كوكب غير بقية الأمم، لكن يبدو أن هذا هو التطبيق لهذه المقولة، التي لم تنشأ من فراغ.
أقارن هذه الحالة مع ما يوجع قلوب كثير من المتابعين لحالات الشباب لدينا، التي يصرخ بسببها عدد من الكتاب، وتتناولها برامج إذاعية وتلفزيونية؛ بأن تهتم الجهات الحكومية المعنية، كل واحدة فيما يخصها، بشؤون الشباب من توفير الوسائل المناسبة لهم في الترفيه والتعلّم العام واللقاء مع الأقران في ظروف صحية وقريبة من مساكنهم وميسورة لهم في تكاليفها، وفي ثقة الأهالي بما يجري فيها، خلافاً للمعسكرات الشبابية في الثمانينات والتسعينات. لكن كل الصرخات المدوية كتابياً أو على الإذاعات أو محطات التلفزة لم تجد صدى عند أي جهة، وكأنها جميعاً غير معنية بما يقوله الرأي العام، أو أن المهم هو العلاقات العامة، التي تسعى إلى تلميع المسؤول وإبراز إنجازاته المحدودة، التي هي من صميم عمله على أنها خوارق تُنسب إلى تحقيق أهداف المؤسسة العامة.
سأعيد الآن ما سمعته من أحد الشباب المتبرمين من الوضع السائد لدينا، الذي يتهمه أغلب المعنيين من تلك الفئة بعدم الصديق لهم (في أكثر الأوصاف لطفاً)، إن لم نقل معادياً لهم، ومحرضاً لهم على التمرد والنفور من الثقافة المحلية والاكتئاب وربما حتى الارتماء في أحضان من يجندونهم لأعمال شريرة في الداخل أو الخارج (من ترويج المخدرات أو الإرهاب). ألا توجد مراكز حكومية تراقب آلاف الشباب الذين ينفرون خفافاً وثقالاً في كل مناسبة أو إجازة قصيرة أو طويلة إلى بلدان الدنيا البعيدة أو المجاورة، وعدد كبير منهم لا يريد سوى مساحة من الحركة بحرية نسبية، لا يُطارد في حركاته وسكناته ولبسه وأماكن جلوسه، وقد يسعى إلى مشاهدة أفلام سينمائية جديدة لا يستطيع متابعتها في القنوات التلفزيونية بعد. فهل يصعب على مراكز المتابعة رصد مثل تلك الرغبات الواسعة الانتشار؟
وأتوسع قليلاً في سرد ما وصفه الشاب الجامعي المتزن الذي حكى لي أوضاع أقرانه؛ حيث يقول ان الشباب الذين يرغبون في الاجتماع الترفيهي والتسلية البريئة بأفلام وألعاب الكترونية يسعون إلى الاجتماع في ملاحق عند من يملك في منزل عائلته ملحقاً كبيراً مع إذن في التصرف وجمع الأصحاب من الأهل. أما عندما لا تتوفر تلك الشروط، فإن وسيلتهم الوحيدة تكون في الدوران بالسيارات والوقوف في الشوارع. لذلك يفكر عدد منهم في استئجار استراحات يأخذون راحتهم فيها، لكنها ترهق كواهل بعض من لا يستطيع الاشتراك؛ فإما أن ينسحب من المجموعة، أو يستدين من أجل تحقيق ذلك المطلب الترفيهي، الذي يفترض أنه من حقه وواجب الجهات البلدية، فهل تلتفت السلطات إلى هؤلاء الشباب؟ أم تطلب منهم فقط أن يكونوا سفراء لبلدهم عند مغادرتها.