من الصعب أن يخطئ وعي الإنسان عشق البنت لأبيها! وكم تساءلت عقول عن السر خلف كل هذا العشق الذي يمتد من الطفولة إلى الشباب، ويستمر حتى بعد أن تتزوج البنت من رجل يفترض أنه سوف يملأ قلبها إلى حد الاحتكار! رجل تباهي بتلاشيها فيه هياماً وفخراً ورضى ودلالا! ما الذي يدفع البنت للتمسك بعشق أبيها وترجمة هذا العشق اهتماما وحنوّا ورعاية إلى آخر يوم في عمره؟.
"أنا ولد أبوي".. يقولها البدوي انتخاء عندما يهم بعون أحدهم أو الرد على إساءة وعدوان، غير أن أحداً ما نجح في أن يغُيّب من وعي ثقافتنا أن هناك عبارات نخوة تناقلها أكثر الرجال اعتزازاً بذواتهم. ففي إرثنا يقول الرجال: "أخو فلانة" انتخاء عند كل خطب، كما كان الرجال يتناولون بفخر مَبلغَ بناتهم من صيت حميد بالقول: "بنت أبوها" عند حديثهم عن كل فعل لبناتهم يحق لكل أب أن يباهي ويفخر به.
البنت والبيت بشكل عام هما حكاية الخافي ومستراح السبب. فالبنت روح البيت، كما الأم.. ولكن البنت تتوارى عن السيادة المُطلقة لصالح أمها، فرِحة بتغاضي الأم عن الشراكة في عشق ذات الرجل.. وفي ذات المكان. نبيل هو عشق البنت لأبيها.. ورغبتها المحجوبة خلف كل جمالها ورقتها في أن تكون أكثر شبهاً بأبيها، تتحدث مثله، تفرح مثله، ترضى مثله وحتى حين يغضب.. تتمنى أن تغضب مثله في سعي لتأويل انحيازها في أن تغضب في واقع الأمر لأجله.
أتفهم تماما مخاوف رفاقي ممن لم ينجبوا بناتاً، فما أقسى أن يتأمل الوالدان الكِبَرِ القادم يوماً دون بنات. مجرد هاجس التفكير في كيفية تعويض حنان البنت وقدرتها على نثر الحياة في أركان البيت ومن فيه كفيل بإثقال كاهل أقوى الآباء وأعظم الأمهات.
كتبت في تويتر بداية هذا الشتاء:
تأبى ابنتي أن أبقى بثوب صيفي!
وتحضر لي ثوبا شتوياً وتُصرّ أن ارتديه!
إن رأيت أباً مترفاً فاعلم أنه قد أنجب بنتاً!