منذ أن يضع أحدهم الحزام الناسف حول صدره يدرك أن وقتاً قصيراً يفصل بينه وبين الموت، الذي يعتقد أنه حين ينتقل إلى عالمه الجديد سيجد ما وعده به أمير الجماعة المزعوم، أو شيخه المجرم، أو موجهه المريض، وهم الذين لم يقرأوا عليه «ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيه اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم».
فسار في دربه الذي فرشوه له بالدم الأحمر بدم بارد! أما هو فلا شأن له بماذا؟ أو لماذا؟ فهو مجرد أداة صغيرة تتحكم بها سلسلة من المخططين الذين باتوا يدركون تماماً بأن كل جريمة يرتكبونها توسع دائرة ملاحقتهم والنيل منهم، فرجال الأمن لم ولن يغفلوا عن هؤلاء المارقين، ويفاجئوننا بسرعة كشف الملابسات والقبض على خونة الدين والوطن الذين يتمترسون في جحورهم.
جريمة بعد أخرى يرتكبونها في حق الدين والوطن والإنسان؛ ما هي إلا محاولات فاشلة واحدة تتبعها أخرى؛ لتنفيذ مخططات كيدية، هدفها زعزعة أمن الوطن وبث روح الفرقة بين أطيافه. غير أن محاولاتهم لم تفلح، ولن تفلح -بإذن الله-، فعلى الرغم من خسارة الفقد التي يمنى بها قلب الوطن وقلوب الأهالي على دماء الأبرياء؛ إلا أن صوت الحب يظل مرتفعاً، وقلب الوطن مستمر الخفقان في كل قلب وطني صادق.
فاجعة الوطن الأخيرة في الأحساء بدت وكأن من نفذوها يقولون: نحن هنا وما زلنا نحاول الإساءة!!
ويكررون جريمتهم بالأسلوب نفسه، فما أن يتهيأ الناس لذكر الله وأداء الصلاة في مسجد ما أو حسينية ما حتى يزج بنفسه بينهم شاب ضجت في عروقه شهوة الموت الآثم، وران على قلبه وعقله الجهل والسواد الفكري الذي غُزي به في عقيدته قبل توجيه مسار أفكاره؛ فاختلت الأسس لديه بعد أن زين له القتل كباب من أبواب الجنة!
إن أولئك الفتية - الأدوات - استلمتهم رؤوس الشر وهم صفحات بيضاء فلوثتهم بما لديها من مكر، فعبدالرحمن التويجري الذي قبض عليه من قبل في مسيرات (فكوا العاني) ثم أطلق سراحه؛ وما كانت الجهات الأمنية لتفعل ذلك لولا أنها لم تجد ما يدان به ذلك الفتى حينها، ولا أستبعد أن تكون تلك المسيرة مصيدة أعدها شياطين ذلك الفكر الدموي للإيقاع بالشباب الذين لهم صلة بمخرب ما! قد يكون والده أو عمه أو أخاه أو حتى مجرد صديق فيوغرون الصدور بالمظلومية ضد الدولة وضد رجال الأمن بالدرجة، إن لم تكن ضد الحياة والإنسان من أجل هدف ربما لا يعرفه هو؛ لأنه في الأصل لا يعرف دور الشخص الذي خرج ينادي له بالحرية ورفع الظلم المتوهم عنه، فكم من أب لم يعرف ماذا يفعل ابنه، وكم من ابن لا يعرف عن والده شيئاً غير مظهر الصلاح والفلاح واعتياد المساجد، وكم من زوج لم تنكر عليه زوجته شيئا وهي تراه يتنقل من مجلس للذكر إلى آخر ؛ فيصعب عليها أن تصدق بعد ذلك بأنها مجالس ظاهرها الصلاح والفلاح وباطنها الشر والإجرام وجمع السلاح؛ سلاح المعدن، وأسلحة أخرى من أجساد الفتية التائهة نفوسهم.
وهذا ما يجب علينا أن نتوقف عنده، ونعمل عليه بالفحص والتدقيق والتخطيط؛ للوقاية قبل العلاج مع كل من شارك في تلك المسيرات قبل غيرهم، فأولئك لديهم مشاعرهم الخاصة والحاقدة على الدولة، والتي يبدو أنها استغلت بدقة من قبل رؤوس الشر. أولئك لا يجب أن يخضعوا للاستجواب الأمني فقط بل للعلاج النفسي والاجتماعي وتقديم الحقائق التي يجهلونها عمن طالبوا لهم بالحرية وشعروا من أجلهم بالظلم وامتلأت صدورهم بالحقد بسببهم.
إن تفاصيل الطريق التي تقودنا لتحقيق الأمن الفكري واضحة كالشمس في شريعة الإسلام، وكلها تبدأ أيضاً وتنتهي بالوضوح والمسالمة والاخاء وتجنب الاصطدام بكل أشكاله بين المسلمين بعضهم بعضا بكل مذاهبهم، وبين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى. تلك التفاصيل نجدها في كتاب الله الكريم وفي السيرة المحمدية التي لا تتنافى مع ما تنزل على محمد.
إن لرجال الأمن مهامهم. ولنا نحن كأفراد مهامنا أيضاً في هذا المجال كل فيما يتيسر له في بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا وشوارعنا. لتنجو العقول التي تتردد خطاها بين الموت الآثم، والحياة التي اختارنا الله لإعمارها.