لا يسعى هذا المقال إلى إثبات ضرورة السؤال، فالضرورة كما يقول منطق أرسطو القديم: (قضية دليلها معها) إنه يسعى جاهدا إلى التفكير في الجوانب، ذلك لأن السؤال يكون واحدا هو الكشف عن المجهول، أما الجواب فلن يكون واحدا، فهو خاضع لوجهة نظر «المجيب» ومستواه الفكري وخلفيته المعرفية وهدفه الشخصي من الإجابة.
عقدة الجواب الكبرى أنه لا ينطلق من زاوية واحدة سواء أكانت «قائمة أم جالسة» إنه ينطلق من الزاوية التي يراها «المجيب» الذي يستظل بثقافة محددة ومحتوى ذهني جاهز وهدف بعينه يعنيه هو وقد لا يعني السائل، وهنا يبقى السائل ظامئا وهو لا يدري.
أتخيل أن السؤال الذي طرحه الإنسان بعد أن قفز من مرحلته البيولوجية إلى المرحلة الثقافية الإنسانية وبدأ «التجريد» هو «ما هذا؟»، وأول الإجابة هي أنه وضع له اسما فهو «شجرة» ثم رآها تهتز فتخيل أنها ذات إرادة. إنها ذات روح ثم راح إلى وضع صفاتها.
المرحلة الأولى إذن في تطور الإنسان كانت وضع الأسماء، أي انبثاق اللغة، وانبثاق اللغة يعني أن هناك مجتمعا مهما كان صغيرا. هذا المجتمع أصبحت أسئلته مشتركة وكذلك أجوبته التي لم تجد أمامها إلا أفق الأسطورة.
أهم ما بلغه تراكم الأسئلة والأجوبة هو الانتقال من الأسطورة إلى الفلسفة.. ثم انتقال الفلسفة من السماء إلى الأرض.. فبدلا من السؤال عن الوجود ومن وراء الوجود راحت تسأل عن المفاهيم التي تؤثر في قناعات الناس وسلوكهم: ما هي العدالة؟ ما هي الفضيلة؟ ما هو الحق والخير والجمال؟.. حتى وصلت إلى صياغة حقوق الإنسان التي ما زالت مفتوحة للتكاثر.
حين ننظر إلى المذاهب المختلفة التي تدور حول مركز واحد وتنطلق من نقطة واحدة.. ونرى أن الاختلاف فيها يصل إلى حدود القتل كما نشاهده في هذه الأيام السوداء.. ثم نسأل عن السبب فلن نجده إلا في اختلاف الأجوبة على السؤال الواحد.
لقد ركز كثير من الكتاب على أهمية السؤال، وهذا لا شك فيه فبفعل الأسئلة نشأت العلوم المختلفة وبلغ الانسان مرحلة مضيئة من التطور.. ولكن يبقى التركيز على الجواب أشد حاجة لأن السؤال واحد مهما تطور ولكن الجواب متعدد، وهنا مربط الفكر أو مربط الفرس إن شئت.