الإرهاب بلا هوية دينية أو مرتكزات إنسانية، وإنما هو سلوك وعمل إجرامي كامل الأركان، ينفذه مجرمون تراجعت مستويات القيمة الإنسانية لديهم، وتعرضوا لانحرافات سلوكية كبيرة انتهت بهم ليكونوا مجرمين على أعلى مستويات الخطورة والتهديد الأمني، ولذلك فليس بالضرورة أن نلصق صفة الإرهاب بدين بعينه لأن الإرهابيين ينتمون اليه، فلا يوجد دين سماوي أو وضعي يدعو الى العنف وقتل الأبرياء، وعلى وجه الخصوص ديننا الإسلامي الذي يرتبط اسمه بالسلام والتسامح والأمن والأمان.
كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز "يرحمه الله" حذر الغرب من وصول الإرهاب الى دياره، وكان ذلك إشارة قوية لأنهم يتراخون ويصنعون الإرهاب ويسمحون به طالما هو خارج بلدانهم؛ لأنه قد يخدم بعض مصالحهم، ولكنهم تجاهلوا ذلك واستمروا في غض الطرف والاستمتاع بأمانهم، فيما غيرهم يحترق ويكتوي بنيران التفجيرات والعمليات الإرهابية، وصدق الراحل بعد أن تأكد حديثه وتحقق في العمق الغربي، حيث ضرب الإرهاب ووصلت نيرانه الى باريس مرة أولى وثانية وثالثة، ولذلك فهي حالة عالمية من الاختراقات الأمنية لها كثير من الأسباب التي تتطلب جهدا دوليا وليس قطريا فقط، فلا يمكن لدولة وحدها أن تعالج كل متعلقات الإرهاب أيا كانت أسبابه.
المملكة لها دور فاعل ومؤثر في مكافحة ومحاربة الإرهاب، وسبق أن نظمت له فعاليات أمنية على صعيد دولي وأنشأت مركزا دوليا لذلك، وتجربتها من الثراء الأمني بما يجعلها مركزا للمكافحة، وحين نضيف الى ذلك رؤية قيادتنا ودعواتها المتكررة للجهد الجماعي في المكافحة، فإنها تقوم بكامل دورها في ذلك، ولكنها بحاجة الى تعاون أكثر فعالية دولية بعيدا عن الأجندة المخابراتية في توظيف الإرهابيين، كما تفعل بعض الدول الغربية؛ لأن ذلك لن يجديها، ومن الضروري أن يرتفع مستوى الثقة بين جميع الأطراف؛ لأن هناك أرواحا تهدر وتهديدات تؤثر على التنمية والاقتصاد وأمان المجتمعات، وذلك أكبر من أي مكاسب في أجندة خفية تسهم في تراجع الثقة بين الأجهزة الأمنية.
الإرهاب الذي ضرب باريس وغيرها لن يتوقف، وربما يضرب في مواقع أخرى إذا لم تتم معالجات قائمة على التعاون والثقة وتبادل المعلومات والتنسيق المشترك بين الأجهزة الأمنية، فهو قضية دولية عابرة للحدود، يدخل في نطاق الجرائم المنظمة والمتسلسلة تتطلب معالجات جذرية تستقصي الأبعاد الدينية والنفسية والاجتماعية والسلوكية للأفراد الذين يتوقع أن يكونوا ضحايا للاستقطاب للتنظيمات الإرهابية، كما أنه لا بد من معالجات على نطاق أوسع في السياقات التنموية وتوزيع الثروات بصورة عادلة، فأينما ارتفع الفقر في المجتمعات خرج باحثون عن منفذ يحتمل انحرافا نفسيا وعقليا، كما أن هناك ضرورة لمعالجات تتعلق بمظالم أممية تسهم في إيجاد الإرهابيين، أي أن هناك منشأ سياسيا أيضا ينبغي التعامل معه من خلال المنظومات الأممية، والمنظمات التابعة لهيئة الأمم، وعدم الاكتفاء بـ (قلق) أمين عام هيئة الأمم المتحدة الذي يخرج علينا بين الحين والآخر.
في الحقيقة، إن فكرة المركز الدولي لمكافحة الإرهاب الذي أطلقته المملكة، تضم كل الاهتمامات التي يمكن أن تقود الى حلول علمية لمشكلة الإرهاب العالمي، ولا بد من الرجوع اليه ووضعه في قائمة أدوات وأجهزة المعالجة الحاسمة لهذه المشكلة الخطيرة.