لوطننا العزة، ولأهله كافة الكرامة، هما دوحتنا وعزوتنا، لنا ولأبنائنا كما كانا لآبائنا وأجدادنا. ليس لأحدٍ التدخل بين أهله أو المزايدة علينا فيه. مهمتنا التضامنية –كمواطنين- الحفاظ عليه سيداً عزيزاً، والذود عن ترابه، وصَونّ أمنهِ وأمانه. لن يقوم بتلك المهمة أحدٌ سوى أهله، فهو حضن آبائهم ومآل أجدادهم. وكما كانوا هم، فنحن معه في سرائه وضرائه. وكمواطن أدرك أن طريق التنمية والنمو أمامنا طويل، ومسار التحول الوطني يتطلب جهداً جاداً وصرامة في التنفيذ، وأدرك أن أمامنا مسارات لتعزيز الشفافية والمحاسبة ودرء الفساد ومنع التجاوز على المال العام. لكني أدرك -قبل كل هذا- أن السلم الاجتماعي والأمن والأمان قيمٌ عاليةٌ لا تصلح بدونها تنمية اجتماعية ولن نصل بدونها لنمو اقتصادي. وأدرك –كمواطن- أن شأننا الداخلي هو شأننا نحن، فلن ينفعنا فيه إلا نحن، ولن أرضى أن يتدخل فيه أحدٌ سوانا، فما أصعب أن يتدخل جار بين أخوين.
أرضنا هذه أخرجت أنبل البشر، وهي للكرم عنوان. وإن كان المواطنون متفقين على أهمية الحفاظ على الأمن والأمان لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وأن من يربك ذلك سينال جزاءه، فعلينا ألا ننسى أن من يصون الوحدة الوطنية ويبذل ويُعطي من أجل تعزيزها يُكَرّم، جزاء بجزاء وإحسانا بإحسان. إذ إن الأمر لا يتمحور فقط ويقتصر على عقاب بمن يسيء، بل لا يكتمل إلا بتقديم التقدير لمن يُقدم وطنه على نفسه؛ لاسيما أن وطننا يزخر بأبنائه المحبين المُؤثرين المقرين بفضله –بعد فضل الله تعالى شأنه.
وكما نعلم جميعاً فقد خص النظام الأساسي للحكم الوحدة الوطنية والحفاظ عليها بعناية فائقة، والسؤال: كيف نحقق ذلك، أخذاً في الاعتبار ما مَرَّ به الوطن من تحديات أمنية وهجمات تستهدف استقراره وأمانه وتسعى لتصديع جبهته الداخلية وتفريق جمعه؟ ومن نافلة القول إن وجود قانون محدد يقنن ويصنف الأفعال التي تعد جرائمَ افتئات على الوحدة الوطنية أمر حرج الأهمية لاعتباراتٍ، أهمها وضع عقوبات مقننة لمن يثبت ارتكابه لمخالفات أو جرائم تحت طائلة النظام، وبما يساعد على: بناء الاتهام، ونسبة الدعوى، وسرعة البت بها، وتضييق حدود الاجتهاد، وتقنين السلطة التقديرية، بما يسرع في صدور الأحكام ويعزز الاتساق والردع.
ويمكن الجدل أن صدور نظام (قانون) ما برح أمرا ضروريا لكنه ليس كافياً بحدّ ذاته؛ إذ لابد من التعامل تعاملاً منهجياً لتجفيف التحريض، باعتبار أن ذلك مطلب حقوقي أولاً، ولكونه ضرورة لصيانة سلامة المجتمع ووحدة كلمته والتفافه حول قيادته، ولقطع الطريق على أي فرد أو مجموعة أو منظمة أو دولة من الاشتغال بشأننا الداخلي وقضايانا الوطنية، فهذه شئوننا نحن، أي تخصنا نحن دون سوانا. وكما أنه (أي القانون) سيمنع أن نشتغل ببعضنا البعض، أي مَنع التجاوز على مكونات المجتمع السعودي وأطيافه المكونة له، إذ إن وطننا، المملكة العربية السعودية، محصلة جَمع وليس نقصا أو انتقاصا، بما يؤدي لبناء جهد منسق فيعتدّ كل منا بمواطنهِ، فالمواطنة الصَلدة هي قيمة تقوم عليها البلدان القوية والمستقرة، فالوطن هو لكل أبنائه يساوي بينهم في الحقوق والواجبات، بما يَمنع تجاوز أي منهم على الآخر بالقول أو بالفعل بأي صورة، وإلا اختل التوازن. وليس محل شك أن استصدار قانون لمكافحة الافتئات على الوحدة الوطنية وتطبيقه بصرامة وحزم سيعزز اللُحمة ويصون السلم الأهلي ويقوي جبهتنا الداخلية.
وصدور القانون في هذا الوقت يرسل رسالة واضحة ومتجددة بأن وطننا حارس أمين لصيانة القيم الجامعة للنسيج الوطني السعودي، بما لا يمكن معه التهاون من هتكه أو حتى السعي أو التخطيط أو التلميح بهتكه أو إيذائه، وأن من يفعل سينال جزاءً رادعاً، ليس تحيزاً لأحد بل حفاظ على وطننا الغالي، الذي هو -بعد الله سبحانه- الحصن الحصين لمواطنيه كافة، يوفر لهم الأمن والأمان والعزة والكرامة، فهو عزهم وحصنهم.