ولا تَحْسَبَنّ المَجْدَ زِقّاً وقَيْنَةً ... فما المَجدُ إلاّ السّيفُ والفتكةُ البِِكرُ
"المتنبي"
الابتكار يعني الإنجازات التحويلية غير المألوفة وغير التدريجية. وهو مرتبط بالصورة الشاملة للمنظمة خارج الحصون والجدران التي نبنيها حولنا. ولا يتحقق إلا بتغيير في السلوك البشري.
في أوقات ظهور منافسين أقوياء، قد لا تجد المنظمات سبيلا للبقاء إلا من خلال تعزيز بيئة الإبداع. وذلك لا يكون إلا بتوفر مجموعة منسقة من الإجراءات والتدخلات التي تنفذ بعناية فائقة. فالأنظمة القائمة لا بد من إسقاطها بأنظمة بديلة، مع التأكد من أن هناك استراتيجية ابتكار متماسكة ترتبط بعمليات تنفيذية قوية ورصينة.
إن دفع الموظفين لمواجهة التحديات بشكل جاد، يجعلهم يحققون نتائج أكثر مما يعتقدون أنهم يستطيعونه. ولكن معظم القادة يحجمون عن ذلك. أحد القادة في شركة "تيسلا" التي تصنع سيارات كهربائية، وحققت المركز الأول عالميا في العام 2015 بين الشركات الابتكارية حسب استطلاع مجلة فوربز، يقول إنهم يواجهون التحديات بإيمان كمن يقفز من طائرة ثم يشرع في تصميم وبناء المظلة وهو في طريقه للهبوط على الأرض. باختصار، هي المخاطرة مع التصميم، ومسابقة الزمن لإيجاد الحلول في ذروة التحدي.
من المهم تعريف الابتكار المطلوب بشكل دقيق. وخلق منهجية تحقق الالتزام لدى الجميع، ممثلة بتحديد نسبة النمو المطلوبة، والعمل على إحلال المنتج أو الخدمة المقدمة بمنتج أو خدمة جديدة قبل أن يفعل ذلك المنافسون. ولا بد من الاتفاق على معايير أو مقاييس يُحدد على أساسها دعم الأفكار والمنتجات أو وأدها. وأخيرا، لا بد أن يكون قائد المنظمة هو المشرف على هذا الجهد بشكل مباشر.
كما أن من المهم التركيز على النشاط البحثي في العمل الإبداعي بشكل منهجي، مع استقطاب المواهب. ولكن الأهم من ذلك هو وضع الأشخاص المناسبين من ذوي المهارات المناسبة في الأماكن الصحيحة مع الفريق المناسب. ثم يتم افساح المجال لهم للعمل ومكافأتهم. فكل الناس قادرة على توليد الأفكار الجديدة والناجحة عندما يُعطَون الفرصة.
وليس المهم نوع الثقافة الشائعة في المنظمة بقدر أهمية أن تكون الثقافة متصلة، بمعنى أن يملك كل فرد الوصول للآخرين وأفكارهم. كان لدى شركة "ثري إم" (3M) سياسة أن يُسمح لعالم واحد فقط وضع اسمه على براءة الاختراع. ونجم عن تلك السياسة - قبل أن تتراجع عنها الشركة - أن أصبح العلماء أكثر إحجاما عن إشراك الآخرين في أفكارهم، فتدنى العمل الجماعي المطلوب للابتكار.
خلق ثقافة الإبداع والابتكار أمر في غاية الأهمية. ففي دراسة لمجلة التسويق الأمريكية (2009) ضمت 759 شركة في 17 دولة، وُجد أن درجة تأثر الابتكار بعوامل خارجية مثل ثقافة المجتمع، والحكومة، وتوفر العمالة ورأس المال، هي أقل بكثير من تأثر الابتكار بثقافة المنظمة الداخلية.
يقول غاري هاميل وَنانسي تينانت الباحثان في مجال الإبداع، إن هناك عددا قليلا جدا من المنظمات التي تستثمر بشكل منهجي في تحسين مهارات الابتكار لدى موظفيها. وقد يعود ذلك إلى أن العديد من القادة ما زالوا يعتقدون أن الإبداع أمر وراثي يوجد عند أناس ولا يوجد عند آخرين.
أشير في بحث نشر مؤخرا في مجلة هارفاد بيزنيس ريفيو الى أن هناك ستة أخطاء قد ترتكبها المنظمات عند تبنيها استراتيجية ابتكار. أولها هو الطلب من الموظفين توليد الأفكار دون خلق آليات لتفعيل شيء منها. والثاني هو التوجه لإيجاد حلول دون تحديد دقيق للمشاكل التي تستحق المعالجة. والثالث هو تشجيع أخذ المخاطر والمبادرات في نفس الوقت الذي لا يجري فيه التسامح عن الأخطاء والفشل، علما بأن ما قد يبدو للوهلة الأولى أنه فشل في عملية الابتكار، هو شيء آخر تماما. والرابع هو توقع القيام بتجارب في الوقت الذي لا توفر إمكانية الوصول للمعامل المجهزة. فتوفير الأدوات والموارد شيء، وتمكين الناس من استخدامها هو شيء مختلف تماما. إذا تطلب الأمر الحصول على دزينة من الموافقات للحصول على الموارد، فإن الابتكار لن يتحقق. والخامس هو توقع النجاحات الخارقة في غياب تخصيص الموارد اللازمة. والسادس هو تغليب النجاحات قصيرة المدى على تلك التي لها أثر على المدى البعيد.
وأشار الباحث أوري نيرين المتخصص في الابتكار، إلى أن أهم أسباب فشل الابتكارات يكمن في التنفيذ، بعدم إشراك صاحب الفكرة كما يجب، في مراحل تطوير الفكرة حتى الوصول إلى المنتج النهائي ودخول السوق. وفي دراسة تحليلية في ألمانيا (2013) شملت 43 دراسة سابقة، وعينة تبلغ 6341 منظمة، اتضح أن المنظمات الهرمية التي تعتمد على التحكم والمركزية في صنع القرار هي أبعد ما تكون عن بيئة الابتكار والإبداع.
والابتكار مشكلة على مستوى نظام المنظمة كلها. لذلك، فإن أي محاولة للترقيع أو حصر العمل في جانب واحد في محاولة لدفع عملية التغيير على نطاق واسع، سيكون محكوما بالفشل. وهو ما يعادل محاولة إحياء مدرسة فاشلة تعاني من طلاب متسيبين ومعلمين مغلوب على أمرهم، وبنية تحتية منهارة، عن طريق طلاء جدرانها بلون جميل. قد يبعث ذلك على الارتياح، ولكنه من غير المرجح أن يكون له أي تأثير حقيقي.