كانت قد وردتني بعض التعليقات بشأن ما كتبته في مقالة سابقة عن دور المرأة وظيفياً من منظور المشتركين في برنامج إذاعي على الهواء، وعلقت فيه على مواقف أولئك المتصلين من الأدوار المفترضة للمرأة. كما حللت بعضاً من خلفيات تلك التعليقات مقارنة بالثقافة السائدة، وسياق الموضوع المطروح في تلك الإذاعة. وأجدني هنا مضطراً إلى التوضيح أكثر، بأن ما ذكرته أصلاً كان يعني الدور العام للمرأة في المجتمع (أي مجتمع): الواقع والمفروض والاحتمالات، ونصيب كل منها من مواقف الناس إيجاباً أو سلباً. أما وقد انساقت بعض الآراء التي سمعتها إلى دور المرأة محلياً، ومدى ملاءمتها لما يطرحه العالم بأكمله عن المساواة وأخذها زمام المبادرة فيما يخص شأنها وبعض أمور الشأن العام؛ فإني أرى لزاماً علي أن أعود إلى الموضوع لتبيين هذه النقاط على وجه الخصوص.
صحيح أن المرأة العربية بصورة عامة، والمرأة لدينا بشكل أخص، ليست مؤهلة بعد لتحمل مسؤوليات الشأن العام، والتعامل مع بعض حالات تعقيداته. وعندما أقول ذلك، لا أعني مطلقاً أنه لا توجد منهن من هي قادرة على ذلك، فالحكم على العموم وليس على الآحاد. وفي الوقت نفسه لا أضم صوتي على الإطلاق مع من يربط ذلك بالأوضاع البيولوجية التي تتعرض لها المرأة من دورة شهرية وحمل وولادة؛ فهذا تتعرض له كل نساء العالم، ويقمن بأدوارهن بصورة أفضل مما يقوم به الرجال في بعض مجتمعات قديمة ومعاصرة. فما الذي يمكن أن تكون فيه المشكلة بين الطرح السابق والاستثناءات التي أقدمها هنا فيما يخص دورها محلياً، وفي الثقافة العربية بصورة عامة؟ وأظن أن مجتمعنا المحلي لو تخلص من سمتين معيقتين لتطوره في مجالات عديدة، لزالت هذه العقبات مع غيرها، وتحسن أداؤه في التنمية ومواكبة العصر؛ وسأتناولهما بعد تحليل قضية وضع المرأة وأحوالها في عصرنا الحاضر. المرأة لدينا في الوقت الحالي قليلة الاطلاع على ما يجري حولها (مع استثناءات قليلة)، وفي العالم أجمع، ونظرتها محدودة في عدد من الأمور المتصلة بالمنزل أو شؤون الموضة والطبخ وربما أمور التسلية وما يتصل بها؛ كما أن شخصيتها غير متوافقة مع الضغوط التي يتعرض لها الناس في العصر الحديث عندما يواجهون الصعوبات في مواقع العمل. لكن هل هذه الحال بنيوية في تكوين المرأة العربية أو الخليجية، أم إنها نتيجة تراكمات ثقافية واجتماعية أدت بها إلى الاقتناع بهذه الأدوار، وقامت بتربية أبنائها وبناتها على تقمصها مجدداً في الأجيال اللاحقة. إذاً بذرة تلك الأدوار التقليدية الجندرية موجودة في ثقافة المجتمع وتربيته ومناهج تعليمه، ولا يعني أنها ضربة لازب، ولا يمكن تغييرها لو وجدت النوايا الصادقة، لجعل المرأة مساهمة بفاعلية في تنمية المجتمع، ومتخلصة من تلك العوائق التي تكونت على مر الزمان، ومع ضغوط المجتمع وقياداته الذكورية.
وتلكما السمتان اللتان لهما دور كبير في إعاقة أدوار المرأة الإيجابية، وتطوير فهمها لما يجري حولها، هما أولاً: تغوّل فهم التقاليد على أنها ثبات الأشياء على ما هي عليه، بتفصيلاتها الدقيقة، وأوضاعها القديمة، حتى لو كان ذلك يتنافى مع المصالح الشخصية والعامة، وحتى لو ألغى أهميته مستجدات أخرى لم تكن في تلك الأزمنة القديمة التي نشأت فيها تلك التقاليد. والثانية: الاعتراف بالخطأ من الفئة المهيمنة، بأنها هي السبب فيما وصلت إليه أوضاع المرأة من التردي، وجرّت معها أوضاع المجتمع بصورة عامة، وما لم تتصحح الأوضاع، فلا ينفع النحيب عندما تلفظنا مجتمعات الدنيا، لأننا عاجزون عن صنع التنمية.