كم مرة لاحظنا طفلاً صغيراً يتحدث إلى نفسه بصوت مرتفع؟!، ليس هذا الحديث مع النفس تمرداً أو مرضاً عقلياً أو ربما لامبالاة كما يظن بعض الآباء، لكن قد يكون هذا السلوك مجرّد «حلطمة» صغيرة متمركزة حول الذات. فقد وصف «بياجيه» أن التكلم مع النفس لا يصدر إلّا عن عقول يعوزها النضج فقط، حيث إن الأطفال الصغار ينهمكون في مثل هذه الثرثرة لأنهم يجدون صعوبة في فهم الآخرين. ولهذا فإن جزءًا كبيرًا من كلامهم هو حوار مع أنفسهم، ولا ينتظرون من الآخر أن يسمع أو يفهم أو يرد عليهم. ولهذا السبب أيضاً سأسامح صاحب البرودكاست الذي أرسله لي عبر الواتس قائلاً: "لا رغبة لي بالدراسة أبداًَ!، لكن بقلبي أحلام كثيرة، لن تحققها سوى الزفت: [شهادتي».أعتذر أولًا وبشدة عن لفظة الـ(زفت) التي وردت فيما سبق، لكن ما اعتذر عنه أكثر هو تلك النظرة الدونية للنجاح والفوز من قبل الأبناء. إنما بأمانة!! ماذا نرتجي من طالب يقول له والده: تبي يصير عندك موستينج ولا سيارة جيب؟ تبي تسافر وتستانس؟، تبي تصير مدير وعندك مكتب؟ تبي تتزوج، ويصير عندك بيت وعيال؟؟! لازم تجيب لك شهادة.
ولا أدري هل فعلاً الحصول على الشهادة يعدّ هدفاً بحد ذاته؟!، وماهي الأحلام ياترى التي سيحققها له هذا (الزفت) مثلا؟! أن يجد وظيفة؟!، أيّ وظيفة كده.. والسلام؟. كيف يمكننا أن نلوم الأولاد على حلطمتهم إن كانت هذه هي عقلية بعض الآباء وأحلامهم التي غرسوها بسطحية في تلك العقول الصغيرة التي كانت قابلة للنمو، والتي بالطبع سيتوقف نموّها أو في أحسن الظروف سيتعرقل نتيجة أهداف.. ليست بأهداف.لا أرغب في التحدث عن باقي الأسباب التي أدت إلى هذا الوصف، ولا عن السياسة التربوية والمناهج الاجبارية فهذا أمر يطول شرحه، أنا أشير فقط إلى أبسط حقوق الطلاب، عن الأحلام التي لامفر من تحقيقها، عن الأهداف المقبولة، عن الطموحات، عن الحديث مع الآباء، عن الانصات لهم، عن الثقة، عن البيئة المدرسية، عن تلك المدراس ذات الجودة القليلة والممرات الضيقة والتهوية السيئة وتحويل المطابخ لفصول، واستخدام الحمامات كأرشيف ومستودع للكتب، والتي تنعكس سلباً على الرغبة في الدراسة والنظر إلى أبعد من الحصول على (الزفت).
تريدون الصراحة؟!. ليس غريباً أن لايحب الطلاب المدرسة، على العكس تماماً.. هذا هو الشعور الطبيعي الذي من المفترض أن يشعر به جيل تربّى على أن الشهادة هدف، وهو ذاته الجيل الذي تعلم في بيئات مدرسية غير مناسبة.
أظن من المفترض أن لا نتساءل: لماذا لايحب الأولاد المدرسة!!، بل لماذا لا نسأل مثلا إن كانت المدرسة هي من تحبهم فعلا!؟. كما من المفترض أن لا نسأل لماذا يحب أولادنا الحديث مع أنفسهم فقط؟!، بل علينا أن نسأل إن كنا نحن فعلا من يحب الحديث معهم؟.