في علم الإدارة يصنف العلماء المراتب الإدارية إلى تصنيفات كثيرة حسب كل مدرسة ينتمون إليها، فهناك قائد ومدير ورئيس وعضو منتدب ومشرف ومنسق وإلى آخره من المواقع الإدارية، لكن أشهر المدارس الإدارية ركزت على التفريق بين القائد والمدير، شخصيا وبكل بساطة أعرّف القائد بتعريفين متوازيين في المعنى لا يتقاطعان، فالقائد هو من ينظر إلى الاعلى أي يرسم مستقبل المنشأة ويسعى لتحقيق أهدافها وطموحاتها ورسم خارطتها، أما المدير فهو من ينظر إلى الأسفل في الهرم الإداري ويسيّر العمل اليومي، أما تعريف القائد الثاني فهو كل من يتصدر زمام أمر ما. الكثيرون عندنا لا يفرقون بين هذا ولا ذاك بل إن القائد كمنصب يكاد ينعدم في كثير من المنشآت أو أنه يدمج في منصب المدير العام وبالتالي ينعدم وجوده أو يتولاه عدة أشخاص يطلق عليهم مجلس الإدارة، اما في بعض الشركات العائلية فقد يجتمع كل الهرم الإداري في شخص واحد هو القائد والمدير العام والمدير المالي ومدير العلاقات الحكومية بل ومجلس الإدارة.
ما يسمى علم القيادة أو (Leader Ship) علم واسع أحد أسس النجاح لكل منشأة رائدة إن طبق كما يجب. لنعد قليلا إلى التعريف الثاني المبسط الذي ذكرته أعلاه هو كل من يتصدر زمام امر ما، للأسف في كثير من الأمور مهما كان حجمها صغيرا أم كبيرا يكون عرف القيادة وتولي الزمام معتمدا على الوقت، فمثلا تقديم الأكبر سنا او الأقدم خبرة لأي مهمة وتكون المهارات الشخصية والقدرات في مرتبة أخرى، فمثلا في إمامة الصلاة نقدم غالبا في عرفنا الأكبر سنا أو الأكثر التزاما أو شخصا ملتحيا، مع أن الشرع لم يذكر أيا من ذلك إطلاقا بل ذكر أقرأهم لكتاب الله فأعلمهم بالسنة فأقدمهم هجرة ثم أخيرا أكبرهم سنا.
الشواهد كثيرة على ما أقول، خاصة إن استنبطناها من شريعتنا السمحة وديننا الكامل الصالح لكل زمان ومكان حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فها هو معلم البشرية وسيد الخلق صلى الله عليه وسلم يولي أسامة بن زيد قيادة الجيش، أسامة بن زيد رضي الله عنه كان ابن الثمانية عشر ربيعا، لم يكن وحده من الصحابة رضوان الله عليهم آنذاك، بل كان خلفه أفضل الخلق بعد الأنبياء خليلا الرسول عليه الصلاة والسلام وعمالقة الصحابة وخير الأمة أبو بكر وعمر وبقية الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، أبو بكر هو من يوازي إيمانه إيمان امة محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان خلف شاب في ريعان عمره تابعا له بكل ما تعنيه الكلمة من طاعة لأمر النبي في تلك المعركة، حينما تولى أسامة قيادة الجيش كان عليه الصلاة والسلام قد توفي ولكن أمر تعيينه صدر قبل ذلك، فبعده طلب بعض الصحابة تغيير القائد فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال: والله لا احل لواء عقده رسول الله، هنا درس عظيم في طاعة القائد وعدم مخالفته مهما كان قراره، فما بالنا إن كان خير البرية الذي لا ينطق عن الهوى.