من امتلك الخطاب امتلك القوة. من دلالة هذا المثل الالماني تتسع مساحة الخطاب النصي بكل شكلياته وتصنيفاته المختلفة، ويأخذ وجاهته العلمية والفكرية عند كل ذي عقل وفكر، والخطاب ايا كان هو بذاته يشكل سلطة على المتلقي تجعله يتفاعل معه، ويقبل بمضمونه بشرط تلقائي؛ لانه - اي الخطاب -امتلك في بنائه كل عناصر النجاح ومقومات القبول من لغة ساحرة رصينة مترابطة، ومن اتساق أسلوبي محكم، ومن أعراف كتابية تزيد المخطوط رونقا وجمالاً، غير أن الملاحظ أن هناك مؤسسات رسمية كثيرة لا يخطر ببالها ذلك الهم التعبيري والشكلي في بنية الخطاب الإداري، وكأن الأمر لا يعنيهم، وكأن تلك المعارف المتعلمة لإتقان ذلك تقف ممارستها عند استلام الشهادة الدراسية، وكأن المعطى التعليمي لم يعد مهما في ممارسة الواقع ومعطياته التي لا تأخذ صورتها الناصعة إلا به، فيرتهن الكثيرون ممن تجاوز التعليم واصبح موظفا مرموقا إلى سخرية ما تعلم أو إلى جهله بذلك ونسيانه، وبالتالي يخرج إلينا هذا الزبد من تحت أقلامهم المعاقة عطلا من حلية، فلا تجد فكرة واضحة، ولا لغة سليمة، ولا نصا مترابطا، إن المعطى التعليمي الذي يربى عليه المتعلم -رغم كونه إعدادا للحياة -أصبح خارج السياق الثقافي، بل باتت هناك فجوة يزداد اتساعها سنة بعد أخرى، وأصبحنا نشعر باستقلالية عجيبة تزداد قناعتي بها كلما نظرت إلى ذلك المنتج التعبيري الهزيل في صفحات التواصل الاجتماعي. فلقد خلق من خلالها لغة أخرى، وابتدعت هي رسما إملائيا عجيبا وغريبا. وقد يأتي يوم يكون هو الرسم المعتمد. ولا عجب إذا كان المعطى التعليمي أقل تاثيرا منها، واذا كانت المؤسسات التعليمية قد دست رأسها في وهاد (لا مبالاة) فإن على من يملك القرار التصدي لذلك ومحاسبة الجهات المقصرة فيه.
إنني أرى بعين التفاؤل بوادر أمل في تلك الخطوة الناجحة التي تقوم بها إمارة المنطقة الشرقية إذ تنم عن نظر ثاقب إلى أهمية المنجز التخاطبي كوثيقة ورقية شاهدة على أهمية الضبط اللغوي وفق مسلماته التي درج عليها أرباب اللغة والنحو والأدب وأهل التدوين قاطبة.
إن معطيات هذه الخطوة تتجسد في ذلك الهم الكبير نحو اللغة كهوية ونحو اللغة كفكر وثقافة، ونحو اللغة كوعاء معرفي، ونحو اللغة كأداة تواصل، ونحو اللغة ككائن اجتماعي يختلط بنا ونختلط به، وينمو كما ننمو، ونحو اللغة كإرث أصيل وتاريخ مجيد، وإن هذه المعطيات وغيرها مما تؤكده لغتنا الفصيحة يجب أن يبقى ماثلا في أذهاننا، وأن نأخذ فكرة الإمارة تلك جسرا لإحيائها في رسمنا الكتابي وخطابنا الشفهي، فمن امتلك الخطاب امتلك القوة.