كنت في 11 سبتمبر سنة 2014 احضر ندوة عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة في الذكرى الثالثة عشرة للحدث الرهيب، والذي استهدف برجي التجارة العالمية وبعض مراكز القرار الحيوية في أمريكا. كانت ظروف المنطقة حينها تشهد استيلاء داعش على الموصل وتوجهه إلى الاستيلاء على المزيد من الأراضي في العراق، وكان التنظيم قد أعدم ذبحاً احد الصحفيين الأمريكيين على الملأ. جاءت الندوة غداة إعلان الرئيس الأمريكي (المتردد) باراك اوباما عن تحالف من الدول يفوق ستين دولة للانتقام من داعش.
بعد انتهاء حديث المتكلمين الأربعة جاءت فرصتي في الحديث والتي أكدت فيها عدم التفاؤل بذلك التحالف لأسباب منها أن الرؤية لدى زعيمة التحالف الولايات المتحدة الأمريكية عن جذر الإرهاب غير واضحة، وأن ذلك الفهم الملتبس يسبب النكسة تلو الأخرى لجهود القضاء على الإرهاب. وأن هذا التحالف لن يعني سوى جولة أخرى من الحروب دون أن يحقق هدفه المعلن وهو القضاء على الإرهاب. كانت المظلة التي عقدت تحتها الندوة مظلة الحزب الديمقراطي الأمريكي وكان بإمكاني الحديث بحرية عن رؤيتي للحل التي جاءت على غير ما يشتهي بعض الحضور.
وها نحن بعد 14 شهراً من إعلان ذلك التحالف الذي لم ينجز شيئا يذكر وإثر مجزرة باريس نسمع عن تحالف آخر سيضم هذه المرة روسيا بوتين القادمة بقوة نحو الشرق الأوسط. لا أظن التحالف الجديد الذي ما زال يتبلور سينجز شيئاً يذكر وأظن أن مآله كسابقه إن لم يتم تحديد جذر المشكلة واستهداف محاضن الفكر الإرهابي.
هذه الأيام بت أشك في حديثي السابق في الندوة المذكورة، فقد لا يكمن الخلل في عدم فهم دول الغرب الدقيق لمبعث ومحاضن الإرهاب، بل في محاولة قصديّة من قبل دوله في العمل بسياسة احتواء الإرهاب المتمثلة في توجهين؛ مهادنته في محاضنه، والاشتباك الشكلي معه في الميدان. وقد ورد على لسان بعض ساسة التحالف بعد هجمات باريس ما مفاده؛ أنه يجب تغيير الإستراتيجية الغربية في احتواء الإرهاب إلى القضاء عليه!
للفرد في منطقتنا أن يتساءل لماذا بعد الهجوم الإرهابي في باريس تطلق دول أوروبا وحليفتها أمريكا موجة استئصال داعش، إذا ماذا كانت مهمة التحالف السابقة؟ هل كنا نفهم الأمور خطأً، أم أن هذه الدول كعادتها تحاول اللعب بالألفاظ لكي توهم الشعوب بنزاهتها؟
لقد أربكت ضربات (داعش) في باريس العلاقة بين الشركاء وبين حواضن الإرهاب، تماما كما أربكت ضربات القاعدة في أمريكا قبل 14 سنة تلك العلاقة. لكن لن تلبث الأمور أن تعود إلى وضع الشراكة الطبيعي. وكل ما نشهده حالياً من عُصاب أوروبي غربي ضد الإرهاب هو في نظري محاولة لامتصاص نقمة الشعوب الأوروبية المطعونة في الظهر بخنجر واحد من قبل أبنائها المهاجرين من دول الجنوب ومن ساستها.
الأحداث الأخيرة أكدت أن الدول الغربية وأمريكا بالذات، ومن أجل مصالح نخبها المادية والسياسية لديها، الاستعداد لمهادنة حتى الشيطان داعش، لو انه كان أكثر نفاقاً وهادنها بدوره ولم يهاجمها في قعر دارها واقتصرت جرائمه على شعوب المنطقة.