المملكة تنعم بفضل الله بكثير من الأفراد والأسر الغنية التي تسارع إلى الخيرات داخل وخارج البلاد بينما يعيش شريحة ليست بالقليلة من المواطنين في وضع مغاير يتوجب الالتفات له، ومع هذا لا تزال آليات جمع الزكاة أقل من حيث المبادرة، وبعيدة من حيث الآليات والوسائل عن العصر الحديث.
كتبتُ وكتب غيري عن ضرورة إعادة النظر في إلزامية جباية الزكاة وطرق جبايتها، وربطها بالسجل الائتماني الفردي، ثم التأكد من وصول هذه الأموال إلى مستحقيها من خلال حساب خاص تراجع مداخيله ومصارفه وتعلن سنوياً، للتأكيد على كفاءته وكفايته.
قبل أيام بدأت خطوات فرض الرسوم على الأراضي التي استفاد أصحابها من التخطيط المدني والمرافق، خاصةً أصحاب المنح الذين حصلوا على مساحات واسعة، دون أن يحيوها للإفادة من توسع المدن الرئيسية في المملكة دون أن يعمروها أو يبيعوها لآخرين لإحيائها، بما تتضمنه من ممارسة احتكارية.
هذه القرارات الهامة على الصعيد الاقتصادي بما يمكن أن يتضمن إعادة لتوزيع الموارد المهدرة تتطلب –في نظري- أيضاً إعادة حقوق الفقراء وذوي الحاجة من أموال الزكاة التي لم تدفع، بينما تقدر حجم الودائع في البنوك السعودية بأكثر من تريليون ريال لم تدخل إلى السوق بالرغم من الفوائد الرأسمالية.
ما الذي يمنع من تحويل مصلحة الزكاة إلى مؤسسة اجتماعية ذات قدرة على استحضار المعلومات الائتمانية من الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة)، ومراجعة الدخل الفردي، والتحري عن الأموال المكنوزة داخل وخارج المملكة، ومقاضاة من يثبت عدم دفعه للزكاة المستحقة.
تطبيق النظام الإلزامي للزكاة باعتبارها ركناً من أركان الإسلام، كفيلة بحل مشكلة الفقر دون أن تتدخل الحكومة مباشرة لمعونة الفقراء، وهو ما يمكن أن يقدم حلولا أيضاً لمشاكل تأخر تقديم الحلول الإسكانية، وتأخر حل مشاكل تدني الأجور والتوزيع المناطقي لمشروعات الدولة.
ولا أرى حرجاً في الاستفادة من تجارب الدول الغربية وآلياتها في حصر ضرائب الدخل، وتحديدها من خلال الاطلاع على حسابات الأفراد، ثم ملاحقة الممتنعين عن دفعها بقوة القانون، حتى وإن اختلف الهدف والمبدأ، فتلك الضرائب غير العادلة هناك والتي تجبى بمبالغ خرافية تصل أحيانا إلى ما يفوق ربع الدخل لتذهب لخزينة الدولة في حين أن الفقراء لا يحصلون على فائدة مباشرة منها وقد لا يستفيد منها إطلاقاً شرائح من العاطلين أو المشردين هناك.
على كل حال فإن آلية الإلزام بدفع الزكاة المفروضة معتبرة شرعاً نظراً لكونها ركناً من أركان الإسلام وبالتالي فهي أهم وأوجب من كثير من السلوكيات التي تفرضها القوانين المحلية لمعالجة قضايا اجتهادية مختلف بشأنها، في حين أن الخليفة الأول في الإسلام استهل ولايته بقتال كل من امتنع عن دفع الزكاة لما تنطلي عليه من رِدّة عن الإسلام لا تستقيم معها الدولة الإسلامية.
موضوع صيانة أموال الزكاة وإمكانية توسيع مداخيلها ودراسة جواز استثمار الأموال المدفوعة بهدف الزكاة في بناء مشروعات حيوية تفيد الاقتصاد والفقراء بشكل مباشر مثل بناء الأبراج السكنية بجوار الحرمين الشريفين أو تنفيذ أية مشروعات استثمارية أخرى يصب ريعها لصالح الأسر المحتاجة لتأمين دخل مستمر وكاف لهم.
هذا التحرك الحالي في ملفات الاقتصاد المحلي وإيجاد الحلول للمواطنين في ظل هبوط أسعار النفط، وبروز تحديات جديدة، يجب أن تدفع باتجاه التفكير جدياً في بناء نموذج واضح المعالم لاقتصاد قائم على العدالة، ومنسجم مع الواقع الذي يعيشه العالم في العصر الحديث أيضاً.
هذه دعوة لصناع القرار للبحث عن حلول للفقراء والمساكين ودعم إيجاد قوانين نافذة توجب تطبيق الزكاة من واقع الدخل وتتصدى بحزم للامتناع عن دفع الزكاة التي تعتبر بموجب الشريعة، ومفهوم الاقتصاد الإسلامي حقاً للفقير، ولا بد من إعادة الحق لأهله.