"خذ نفسا عميقا، أغمض عينيك وتخيل، حطم كل القيود بداخلك، اخرج من عباءة حزنك وألمك، ثم افتح عينيك من جديد وستلاحظ أنك لم تعد ذلك الحمل الوديع المتردد في قراراته، بل صرت أسدا هصورا جامحا"، وهكذا على النسق نفسه من العبارات الضاربة في الإيهام التي يستخدمها مدربو التنمية البشرية الذين انتشروا كالنار في الهشيم، بدوراتهم وورشهم، وبالكثير من خزعبلاتهم!!.
بالتأكيد لسنا ضد وجود مثل هذه الدورات المساعدة على تخطي الإنسان مشكلاته، أو تلك التي تساعده على تنمية قدراته ومهاراته الحياتية، وتجعله قادرا على التصدي للعقبات بوعي وفهم وذكاء، لكننا بكل تأكيد ضد أن يكون هذا المجال الحساس مهنة من لا مهنة له، حتى بات من السهولة بمكان أن تتفاجأ بشخص كنت تعرفه تمام المعرفة، ولك خبرة كبيرة في قدراته وإمكاناته ومهاراته، ولأنك تعرفها حق المعرفة فهي مجرد قدرات ومهارات متواضعة، فضلا عن تواضع ثقافته وعلمه، وقصوره في ايصال المعلومة للآخرين، فتتفاجأ كما أسلفت بإعلان ضخم وجذاب بأن ذلك المتبلد قد صار من فطاحلة التدريب، وأباطرة التنمية البشرية، وليس أبعد منه ذلك الذي كان يوما ما يعاني من عدم قدرة على تجاوز مشكلاته الحياتية التافهة لكنه اليوم صار قادرا على حل مشكلات الآخرين الكبيرة، بل وتدريبهم بأحدث الأساليب على تجاوز هذه المشكلات.
السؤال هل تحول هذا المجال الجاذب للمدربين ولزبائنهم إلى عمل تجاري بحت، يدر المال الوفير على أصحاب معاهد التدريب؟، والضحية أو لنقل الفريسة ذلك الزبون المسكين الطموح الذي يرغب في تحسين أدائه الحياتي، وتطوير إمكاناته في إدارة وقته وماله أو أسرته!!، ونقول ضحية سائغة لهؤلاء المدربين لأنهم في نسبتهم العظمى لا يمتلكون أبجديات التخصص، أو قواعده العلمية، وباتت الكلمات الرنانة والحكايات الجاذبة، والنكت أو التهريج السمج زادهم الذي يوقع ضحاياهم بين أيديهم، ناهيك عن ذلك الأثر المؤقت الذي يتركونه في أنفس هؤلاء الزبائن المساكين، وبمجرد أن تنتهي الدورة يتبخر كل شيء، بل وتأتي الصدمة الكبرى حين يأتي المتدرب المخدوع ليطبق ما تعلمه على أرض الواقع فلا يجد ألا هباء منثورا، فلا صار أسدا، ولا شمشون الجبار، ولا سيف عنترة.
حينما نقول برمجة عصبية فنحن أمام علم دقيق للغاية، وهو أحد فروع تنمية الموارد البشرية كما يقول الخبراء، لكننا في المقابل أمام لعبة تجارية اتسع نطاقها، وبات مدخولها المادي أهم من أهدافها السامية إذا ما سلمنا بأن البرمجة العصبية "هي فن وعلم الوصول بالإنسان لدرجة الامتياز البشري التي بها يستطيع أن يحقق أهدافه ويرفع من مستوى حياته"، ولا أدل على ذلك من كون هذا العلم الحساس بات تجارة تلك الدورات الرنانة التي تُنظم لمن هبّ ودبّ تحت مسمى: (كيف تصبح مدرب تنمية بشرية في ثلاثة أيام، أو كيف تحل أية مشكلة؟، فجميعنا يعلم تمام المعرفة أن هذا العلم يتطلب أشخاصا بمواصفات خاصة واستعدادات كامنة تؤهلهم فعليا لأن يساعدوا الآخرين ويعلمونهم تصحيح مسارات حياتهم، وهنا يأتي السؤال الأبرز: هل من رقابة على هذا المجال تقلل من المتلاعبين بمشاعر الناس والمستنزفين جيوبهم؟.