لقد أصبح، كما هو معلوم، الاهتمام بثقافة الطفل من الضرورات الملحة، نتيجة ما تواجهه أمتنا في وقتنا الراهن من تحديات وضغوطات ومن غزو ثقافي وإعلامي، ونتيجة التغيرات السريعة المحيطة بالطفل التي لا يكون مستعداً دائماً لمواجهتها ولا يكون مسلحاً لمقاومة ما تحدثه فيه من آثار سيئة مثل: خلخلة نظامه القيمي واضطراب تصوراته وفقدان ثقته في نفسه وفي مجتمعه.
الواقع أنه، يوجد في تراثنا مواقف إيجابية نحو الطفل والطفولة، فقد نظر العلماء المسلمون - على سبيل المثال - إلى الطفل نظرة إيجابية وعميقة كما طالبوا بمعاملته معاملة حسنة رشيدة تشخصت في جملة من الأساليب التي عاملته بفطرة سليمة وخبرة تستند إلى أفكار إنسانية مشرقة، استوحاها المسلمون من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن كتابات الأقدمين وتجارب حياتهم اليومية.
لذلك فإن المتطلع إلى تراثنا - في هذا الجانب - يجد فيه من الغنى والثراء ما قد يشكل نظرية قائمة الذات، بإمكانها المساهمة بفعالية في تطوير واقعنا التربوي في اتجاه تحقيق المثل العليا وتأكيد أصالتنا الحضارية وترسيخ جذورها، في ذات الوقت والعمل على التقدم والازدهار.
تستمدّ الأمم هويتها من تراثها الساري في أعماق أبنائها، وأصالتها المتجذرة في قلب التاريخ، وللعرب تراث عريق له العديد من الأشكال والصور، يظهر هذا التراث في العادات والتقاليد التي يتوارثها الأبناء جيلاً بعد جيل، ويتناقلها الخلف عن السلف بحرص واعتزاز، ارتكزت هذه العادات على الأخلاق الإسلامية العظيمة، والأعراف العربية الأصيلة... من العادات والتقاليد ما يتصل بالأعياد والزواج والمناسبات الدينية والوطنية، والزيارات والضيافة، والملبس والعلاقات الأسرية وقضاء وقت الفراغ.
ومع انتشار التقنيات الحديثة من وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات أصبح لزاماً علينا أن نستفيد من هذه التقنيات في مجالاتنا المتعددة وتطويعها في خدمة التراث الخاص بنا والعمل على نشره بين أفراد المجتمع بطرق سهلة وميسرة، وكذلك فيها نوع من الجاذبية والسلاسة في الشكل، وذلك لا يتحقق إلا عن طريق إعادة نشر مصادرنا التراثية في شكل إلكتروني أو رقمي، ذلك الشكل الذي أضحى محبباً لدى الجميع من الأطفال إلى الشيوخ، بالإضافة إلى تيسير الحصول على الأجهزة التي تساعد في اقتناء المصادر الإلكترونية في كل بيت سواء كانت الأجهزة كالحواسيب أو البرمجيات.
ويمر المجتمع العربي مثل غيره من المجتمعات الإنسانية الأخرى بمرحلة التحولات السريعة والمتلاحقة التى شملت مختلف أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في ظل النظام العالمى الجديد، ما يتطلب التعامل مع هذه التحولات المجتمعية الأخذ بسياسات وتدابير تساعد المجتمع على المواءمة والتكيف مع النظام العالمي الجديد من جهة، وبين قدرة الأفراد في المجتمع على استيعاب التغير خاصة التغيرات الثقافية من جهة أخرى.
كما أصبح من الضرورى الحفاظ على الذاتية الثقافية والارتقاء بالفكر والسلوك الإنسانى في المجتمع، لمواجهة الغزو والهيمنة الثقافية التي تستهدف الشباب وتفقده القدرة على الشعور بالاستقرار والأمان فى جميع جوانب الحياة.
وفي جانب آخر فإنَّ الأمن الثقافي لدى الشباب أصبح ضرورة لحماية الهوية الثقافية والتراث الحضاري، والقيم والعادات والتقاليد التي تمثل أهم الدعائم التي يقوم على أساسها المجتمع، كما أنَّ الأمن الثقافى دعامة أساسية في تحقيق الأمن القومي العربي في ضوء التغيرات العالمية المعاصرة.
لذلك من الواجب ليس فقط الاهتمام بتراثنا، لكن التعريف بهذا التراث لأفراد المجتمع واستغلال كافة الطرق الحديثة في هذا النشر.